لم يكن اختيار عنوان هذا المقال كما هو، بدافع التشاؤم أو اليأس، بقدر ما هو محاولة للإيضاح أن من غير الممكن فهم ما يجري على الأرض مما يسمى عملية "سلمية أو تفاوضية"، إن لم يتم إدراك الكيفية والغرض الذي تم إنشاء دولة العصابات على الأرض الفلسطينية.
لقد كان الشعار الأبرز للعصابات الصهيونية عندما استهدفت فلسطين "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وعليه، فان ما جرى لاحقا ومنذ تأسيس الكيان، كان مبنيا على هذا الشعار، الذي لا يعترف أصلا بوجود الشعب الفلسطيني، وينكر ويتنكر لكل ما هو فلسطيني، وما زال صدى هذا الشعار يتردد صداه على ألسنة الساسة والأكاديميين ورجال الفكر والثقافة والأدب في دولة الاحتلال.
وفي هذا السياق، فان أية مراجعة لما تنضح به الكتب والمقالات ووسائل العلام الصهيونية، تؤكد على ان هؤلاء ما زالوا يرددون أكاذيبهم ومخادعاتهم التي تحاول الترويج، ان فلسطين كانت شبه خالية حتى فترة قريبة من منتصف القرن التاسع عشر، وذلك برغم كل الشواهد التي تؤكد ان فلسطين كانت مليئة بالحياة ومركزا للتجارة والحج منذ آلاف السنين.
أن المحاولات الصهيونية بفرض اعتراف فلسطيني "بيهودية" دولة الاحتلال، ليس سوى محاولة أخرى للتهرب والهروب من الاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة، عدا عن كونها محاولة لنفي الرواية الفلسطينية كما أصبح معروفا، وبالتالي إظهار الحق الفلسطيني على انه مِنّة صهيونية على شعب ليس له وجود ولم تكن له أية امتدادات أو جذور تاريخية تربطه بهذه الأرض.
ممارسة دولة الاحتلال على الأرض الفلسطينية، وكل هذا التصعيد في بناء المستعمرات "المستوطنات" في محاولة لسباق الزمن لفرض اكبر قدر من الحقائق على الأرض وإفشال الخطط والطموحات الفلسطينية في إنشاء دولتهم إنما هي تأكيد على عدم الاعتراف بالشعب الفلسطيني وان كل محاولاته لإقامة "الدولة العتيدة" لا بد من إفشالها وإيصالها إلى طريق مسدود.
إن غياب هذا الفهم، بالإضافة إلى تغييب الدور الذي قامت من اجله دولة الكيان سوف يقود بالضرورة إلى نتائج غير صحيحة، حيث لا بد من الإدراك للطبيعة الوظيفية لدولة الاحتلال والتي يجب ان تكون دائما في البال.
يهودية الدولة كما يعلم الجميع تعني فيما تعني ان الشعب الفلسطيني هو الطارئ وهو المعتدي، وهي ليس سوى صك براءة لدولة العدوان وكل من ساهم في إيجاد هذا الكيان العنصري، عدا عما سيلحقه من أذى بأبناء الشعب الفلسطيني في أراضي عام 1948.
مع وجود أعداء بهذه العقلية العنصرية وبهذه العنجهية، يصبح الحديث عن الوصول إلى نهاية للصراع وعن اعتراف بالحق الفلسطيني وإقامة الدولة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين، أشبه ما يكون بالخيال.