لا مستجدات إيجابية في الشأن الفلسطيني

بقلم: غازي السعدي

رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، يكرر في كل مناسبة،-ودون مناسبة- اشتراطاته على الفلسطينيين وفي طليعتها الاعتراف بإسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي، إضافة إلى اشتراطات أخرى يرفضها الفلسطينيون، ويقول بأن رفضهم الاعتراف بيهودية الدولة هو جذور وأصل الصراع، ففي خطابه أمام المؤتمر الرئاسي لرؤساء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة- الذي عقد في القدس الشهر الماضي- قال: "طالما واصل الفلسطينيون رفضهم الاعتراف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، فلن نستطيع التوصل معهم لاتفاقية سلام"، مقللا من أهمية الجدل الدائر حول الاستيطان، واصفاً هذا الجدل بالثرثرة، بينما يعتبره الفلسطينيون والعالم بأنه ليس فقط غير قانوني، بل أنه عقبة كأداء في وجه تحقيق السلام، ونائبة الكنيست "ميري ريجف" -"ليكود"- الناطقة بلسان الجيش الإسرائيلي سابقاً، كانت صاحبة مشروع القانون، بعدم بحث موضوع القدس إلا بموافقة (80) نائباً من أصل (120) عدد نواب الكنيست، وهي صاحبة مشروع ضم الأغوار الفلسطينية، ومستوطنات الأغوار إلى السيادة الإسرائيلية، وحالياً تقدمت بمشروع قانون إلى الكنيست، بضم جميع مستوطنات الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، تمهيدا لضم جميع أراضي الضفة لإسرائيل.
خلال لقائه مع المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"، التي زارت إسرائيل في الأسبوع الماضي، قال "نتنياهو" أن السلام يتحقق بعد أن يتخلى الفلسطينيون عن مطالبهم القومية، ولم ينس تكرار مطالبته الاعتراف بيهودية الدولة، وتكرار اشتراطاته بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، ولا للعودة إلى حدود عام 1967، ولا لحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، والقدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأزلية، واستمرار زرع الضفة الغربية بالمستوطنات، ولا يقول شيئاً حول ما ستتخلى عنه إسرائيل إذا وافق الفلسطينيون جدلاً على اشتراطاته، ولنفترض قبولهم بالتخلي عن حق العودة، وأن تكون العودة إلى الدولة الفلسطينية، فهل أبقى الاستيطان متسعاً من الأرض لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين في وطنهم؟ ولنفترض جدلاً باعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، فهل أن إسرائيل على استعداد للانسحاب من الأراضي الفلسطينية حتى حدود عام 1967؟ وسؤال آخر: ما هو مفهوم الدولة اليهودية من وجهة نظر إسرائيل؟
اشتراطات "نتنياهو" لا نهاية لها، والهدف منها واضح وهو أن يرفضها الفلسطينيون، حتى لا يبقي أرضاً يمكن التفاوض عليها، وتطبيق أيديولوجية وتوراة أرض إسرائيل من البحر إلى النهر، متجاهلين الإشارة إلى القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، ففي شهر تشرين الثاني من عام 1967، اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي (242)، والذي يتحدث عن انسحاب إسرائيلي من مناطق إلى خطوط الرابع من حزيران 1967، مع تعديلات طفيفة على الحدود، ومرت (47) سنة منذ ذلك الوقت ولم ينفذ القرار، أما وثيقة كيري التي لم يعلن عنها رسمياً، فقد تسرب منها وفي بندها الأول: إلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، مع اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، والقدس عاصمة إسرائيل الأبدية، وأن تكون للفلسطينيين عاصمة في القدس، ربما في "سلوان"، ووضع قوات إسرائيلية وأميركية على حدود الدولة الفلسطينية لمدة عشرة أعوام، قابلة للزيادة، كي تتحكم إسرائيل بالدخول إليها، ولا يهمها من يخرج منها، بل أنها تشجع خروج الفلسطينيين دون عودة، وأن من حق 80% من المستوطنين الذين أصبح عددهم يزيد عن نصف مليون مستوطن البقاء في مستوطنات الأراضي الفلسطينية، مع احتفاظهم بجنسيتهم الإسرائيلية، وفي محاولة إسرائيلية حثيثة تحاول ربط الانتقادات الخارجية لليهود ودولتهم، بحيث تطبق القوانين المعمول بها في الدول الغربية، تحت اسم معاداة "السامية" وتصبح منصوصاً عليها في قوانين الدول العربية أيضاً، كما أن إسرائيل تطالب إذا توصلت إلى اتفاق مع الفلسطينيين، أن يكون نهاية المطالب ونهاية الصراع، مع أن إسرائيل والحركة الصهيونية لم تنه مطالبها من الدول الأوروبية، منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، وأن أخطر ما يجري من مداولات وضغوط أميركية، إلغاء القرارات الدولية حول فلسطين واستبدالها باتفاقيات جديدة هزيلة ليجعل من التهديد بالذهاب إلى الأمم المتحدة مع أهميته، لا قيمة له، وحتى وإن ذهب الفلسطينيون للأمم المتحدة ومؤسساتها فإن الـ "فيتو" الأميركي يكون بانتظارهم.
"
نتنياهو" .. أول رئيس حكومة إسرائيلية يطالب الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة كشرط أساسي لا يمكن من دونه التوصل لاتفاق سلام، وهذا المطلب يلقى دعماً أميركياً، وقد أصبح هذا المطلب يكرس في مؤتمرات مركز هرتسليا للدراسات متعددة الجوانب، وتحول إلى ركن أساسي في السياسة الإسرائيلية، بينما تواصل إسرائيل زرع الأراضي الفلسطينية بالمستوطنات، وأن مصادرة الأراضي وهدم البيوت الفلسطينية مستمرة، إضافة إلى بناء جدار الفصل العنصري وسياسة "الترانسفير"، ولإغراء الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة، تقدم الأميركان باقتراح جديد هو: الاعتراف بيهودية الدولة ولكل مواطنيها، ولا نعرف قانونية هذه الصياغة، وإذا كان الجانبان يقبلان بها، مع أن الجانب الإسرائيلي لا يرضى بتعريف إسرائيل دولة لكل مواطنيها، و"أبو مازن" أعلن أنه لن يعترف أبداً بيهودية الدولة.
لقاء السفير الأميركي في إسرائيل "دان شبيرو"، مع نواب اليمين الإسرائيلي المتطرف مؤخراً كان مشحوناً بالتوتر حسب جريدة "معاريف 26-2-2014"، فقد تصدى النواب للسفير حين تحدث عن الالتزام الأميركي بأمن إسرائيل، فقالوا له أنهم غير معنيين بهذه الالتزامات بالنسبة للترتيبات الأمنية، وقال أحد النواب: كيف يمكن الاعتماد عليكم؟ متى وقفتم إلى جانبنا؟ وأن علاقتكم معنا ليست صدفة، بل محاولة لغصبنا على تنفيذ أمور لا نريدها؟ واتهم نائب آخر الولايات المتحدة بأن عدم تحريرها الجاسوس الأميركي اليهودي "بولارد" تنبعث منه رائحة "لا سامية" أميركية، متجاهلين المواقف والدعم الأميركي لإسرائيل.
وزير الخارجية "جون كيري" يمارس ضغوطاً شديدة على "أبو مازن" للقبول بشروطه، المنسقة مع إسرائيل، معتبراً الترتيبات الأمنية بالنسبة للفلسطينيين قضية احترام وطني، أما بالنسبة لإسرائيل فإنها مشكلة حياة أو موت، "معاريف 21-2-2014"، و"أبو مازن" يرفض بقاء قوات إسرائيلية على نهر الأردن والحدود لمدة عشر سنوات، و"أبو مازن" يقبل بوجود قوات من "الناتو"، ويرفض وجود قوات إسرائيلية على الحدود، أما "نتنياهو" فإنه غير مستعد لأن يسمع عن قوات غير إسرائيلية.
إن غضب "نتنياهو" المفتعل على مقاطعة الأوروبيين لإسرائيل، ولدغدغة العواطف، يقول للأوروبيين إنكم في الماضي مارستم "اللاسامية" ضد اليهود، والآن تطالبون بمقاطعة اليهود، فهم "لا ساميون" عصريون ويجب الكشف عن المقاطعين، وأنهم في الماضي دعوا لمقاطعة اليهود، واليوم يدعون لمقاطعة دولة اليهود، والتشكيك في شرعية إسرائيل، بينما يتهم "نتنياهو" الفلسطينيين بتشويه التاريخ، وأن إسرائيل هي أرض الشعب اليهودي، أرضهم وأرض آبائهم، وحين يعترفون بذلك لن يبقى لهم مطالب، وأنهم حتى وإن اعترفوا فإننا لن نستطيع ضمان السلام بسبب تحريضهم.
أميركا تسير من فشل إلى فشل في هذا العالم، وأن هذه المفاوضات عبثية تسير في طريق مسدود، وبدلاً من ضغطها على إسرائيل فإنها تضغط على الفلسطينيين، وتهددهم بقطع المساعدات، فالحل بحل السلطة، وتحميل إسرائيل أعبائها، فالسياسة الأميركية والممارسات الإسرائيلية، تقودان حتماً إلى حل السلطة، والمطلوب التمسك بالثوابت الفلسطينية، لأن التنازلات لن تؤدي إلى الحل، مع أن الاهتمام العربي والدولي بالقضية الفلسطينية آخذ بالتراجع، فالتمزق الفلسطيني، قبل الحديث عن التمزق العربي، يضعنا أمام مفترق طرق، ويطالبون الفلسطينيين بتقديم تنازلات، فقد ضجر الرئيس "أبو مازن" أثناء لقائه مع "كيري" في باريس لتبنيه المواقف الإسرائيلية، وهدد بقلب الطاولة".

المصدر: غزة _ وكالة قدس نت للأنباء -