القائد الشهيد الكبير ابو العباس حكايته حكاية قادة يتقدمون الصفوف

بقلم: عباس الجمعة

ابو العباس المناضل والقائد الذي لم يتعبه سفر الآفاق، وهب حياته لقضية بحجم قضية العرب الأولى، قضية فلسطين ، والذي قال يوما لن اخشى الاستشهاد او الاعتقال ، كان قوي الارادة حتى داخل معتقله في سجون الاحتلال الامريكي في العراق مؤمنا بعدالة القضية وانتصارها مهما بلغت التضحيات والصعاب ،فقد كان مطمئنا للذين يتابعون المسيرة ، حتى حين اغتالوه كان مؤمنا بقدرة الثورة والمقاومة ، واستشهد وهو مطمئنا الى استمرارها .
لم يكن اعتقاله لمدة عام واستشهاده في معتقلاث الصهيوامريكي بحاجة إلى دليل كي يهتدي لشمس تسطع في سماء الكفاح، بل كانت شمسه إغراء بالوصول إليها من عدو يحترف الاغتيال والحروب ويرفض التسويات ويرهب الشعوب .
نحن في الذكرى العاشرة لاغتيال الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية فارس فلسطين رمز العطاء والتحدي ابو العباس ، فارس شق غبار المعارك حتى آخر نبض وما ترجل تَعباً أو هزيمة، وظلت عيناه تشخص لفلسطين ، نحن إزاء قائد شهيد، ظلت وصاياه كتابا مفتوحا لرفاقه وللجماهير من اجل مواصلة مسييرة النضال حتى تحرير الارض والانسان .
عشر سنوات مرت ، والشعب الفلسطيني يتطلع الى وصايا القائد الشهيد ابو العباس ورفاقه القادة ، يتساءلون اين المقاومة والكفاح المسلح اليوم في مواجهة جبروت الاحتلال والاستيطان والعدوان ،بسالون عن وجود ابو العباس الذي عودهم أن تختصر كلَّ الطرق لتزودهم بكلمات عن الاستمرار والصمود والتضحية، وصرخة واضحة كحد السيف، حين أطلقتها لحظة وطأت قدماك تراب فلسطين لتقول ان ارادة المقاومين وحدها تعيد الحقوق .
ابو العباس الذي احتل المواقع المتقدمة وبشكل مبكر، فاشرف على عملية الخالصة وبعدها على كافة العمليات البطولية لمناضلي وثوار جبهة التحرير الفلسطينية فكانت الزيب ونهاريا وبرختا والطيران الشراعي والمنطاد الهوائي والقدس البحرية واكيلي لاورو والقدس الاستشهادية والعديد من العمليات البطولية مع رفاق دربه الشهداء القادة سعيد اليوسف وابو العز يعني أن في الرجل خصال استثنائية، وأنه لم يبخل بتقديم أقصى ما لديه بحماس الشباب، فكان يمتلك خصائص ومواصفات القائد السياسي والعسكري مبكرا والامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية، فالقائد يتقدم بالحس السياسي والفهم المتميز لحركة المجتمعات وقوانين الصراع بروحية فكرية جامعة مقاومة للانغلاق والانعزال، متزاوجة مع حس شعبي شفاف."
تمتع الامين العام الشهيد القائد ابو العباس بشجاعة الناقد للكثير من المواقفً، فيما لم تحرفه نقديته الجريئة عن طريق الوحدة الوطنية والحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية ، فكان صمام أمانٍ الجبهة في كافة المراحل مع رفاقه القادة الامناء العامين الشهداء طلعت يعقوب وابو احمد حلب ورفاقهم القادة ابو العمرين وحفظي قاسم وجهاد حمو ومروان باكير ، دون أن يفقدوا البوصلة، ودون مغالاة في تقدير أهمية المواقف داخل الساحة الفلسطينية هذه المعادلة التي يتشابك فيها صراعنا الوطني .
ومن هنا نقول علينا في ذكرى استشهاد رمز جبهتنا عدم فقدان البوصلة وأن نصل إلى نقطة توازن في كيف يفهم الداخل الخارج وبالعكس هذا هو المهم من خلال العمل السياسي والجماهيري والنضالي ، بحكمة ومسؤولية ووعي مشترك ، فنحن في الجبهة لا نعتبر انفسنا بديلا عن الإجماع الوطني، بل نحن جزء من حالة وطنية عامة شعبية علينا حماية المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني والنضال من اجل الحقوق الوطنية المشروعه حق تقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم على ارض فلسطين التاريخية وفق القرار الاممي 194 ، هذه الحقوق الذي قدم من اجلها التضحيات الجسام .
استشهد ابو العباس لم يفقد ثقته بالجماهير العربية، بل ظل مراهنا عليها، رغم جفاف الوضع العربي وتصحره، فهو من قال إن الجماهير العربية التي قاومت الاستعمار وأحلافه وأتباعه، هذه الجماهير التي قدمت قوافل الشهداء على طريق تحرير فلسطين ، تستطيع اليوم أن تفشل المشروع الصهيوني الأمريكي الساعي لإخضاع الوطن العربي وتصفية قضيته المركزية، وحماية الأمة من عملية سلب إرادتها وثرواتها، إنها قادرة بحركة واسعة ومنظمة على إلغاء الاتفاقات والمعاهدات التي عقدها بعض العرب مع الكيان الصهيوني، وهي قادرة على تبديد كل الأوهام حول سلام مزعوم يريد كيري تمريره بتصفيق للاسف عربي ودولي ومنه فلسطيني،نعم نحن على قناعة كاملة بذلك.
ليس غريباً إذاً أن تختلط فكرة فلسطين، بعظمتها ورمزيتها الهائلة لكل معنى وجودنا، وعند الكثيرين منا، بصورة المناضل والقائد، وتتوحد فكرة الشهيد القائد ابو العباس بصورة فلسطين، فهو كان وسيبقى من رموز النضال الوطني القومي التحرري، وإنساني حقاً ، فإن تماهي الشهيد القائد ابو العباس المطلق بفلسطين ونظرته الى بعدها القومي والعالمي لم يوازه ولم يماثله في نقائه.
لقد أعطى الشهيد القائد كل ما يملك من اجل فلسطين وهذا ما نفخر به حين نروي تاريخ مقاومة شعبنا وما هو المطلوب من الأجيال اللاحقة للاستمرار حتى استعادة حقوق الشعب الفلسطيني ، لان هذه الحقوق وخاصة حق العودة ليس كما يحلو للبعض ان يسمي حالة كما يريد ، فحق العودة حق مقدس لشعب هجر من دياره وممتلكاته ، قد يتطلب منا الاستمرار مئة عام أخرى، ونحن مع صرخة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر "ارفع رأسك يا أخي فلقد مضى عهد الاستعباد" .
ابو العباس سطر علي صفحات التاريخ مجد نضالي كبير حمل البندقية مستبدلها بمدرس في احد مدارس سوريا عام 1965 ، وعاش فصول التشرد واللجوء، ليدون من تاريحه قصة أولئك الذين شدوا الرحال بعيداً عن الوطن، فلم تغادره الطيرة التي حملها مع كل ذرة تراب من فلسطين وغادرها وهو رضيع صوب أسفار التشتت ،والتهجير، يخط ملامحها بين أزقة مخيم النيرب واليرموك ، ويدون صرخات أطفالها بإصرار على العودة والانتصار.
ابو العباس تغيب الشمس مع كل يوم ، ولم تغب فلسطين عنه، وهناك مسألة ملحة وهامة تنتصب أمام الجبهة وهي ضرورة عقد المؤتمر الوطني الثامن،وضرورة أن تقف الجبهة أمام أوضاعها بوقفة نقدية صارمة،ضرورة أن تعبر عن هويتها الفكرية والايدلوجية بشكل واضح، وان تضخ قيادات شابة في عروقها،وأن تحفظ للقيادات القديمة تاريخها واحترامها،فالمطلوب قيادات منتجة على الصعيد الفكري والنظري والعملي، مطلوب قيادات تنهض بأوضاع الجبهة في كل خانات وميادين العمل،وأن تنتهي ظاهرة العمل النخبوي والفوقي،مطلوب قيادات تتغلل في أوساط الجماهير،وأن تبتدع وتبدع أشكال جديدة ومتطورة للعمل والنضال تستوعب كل الطاقات،مطلوب قيادات موحدة وجامعة.
ختاما : لا بد من القول هكذا كان ابو العباس ، الذي لم يتعب، الذي قال لم اخش الموت فكيف اخشى الاعتقال. والحالة التي اعيشها هي جزء بسيط من حالة شعبي في فلسطين. وأرى ان ما يعانيه مناضلونا وقيادتنا الوطنية في فلسطين أشد مما انا فيه الآن، وكل ما اتعرض له الآن لا يساوي يوما من الحصار الذي يتعرض له الاخ القائد ابو عمار ولا يساوي دم طفل فلسطيني شهيد، نحن نتوقع كل شيء ونعد حساباتنا لكل طارئ وهذا لن يعيق نضالاتنا او يؤثر في قرارنا ، نحن في بداية الطريق، ومشوارنا صعب، وطويل لكننا علينا ان نسير بالاتجاه الصحيح وبيدنا بوصلة الرؤية السياسية والتنظيمية والفكرية والكفاحية، التي لن تجعلنا نتوه عن الطريق، خسرته فلسطين والامة العربية واحرار العالم ، فحين اغتالوه لم يختاروا عينة عشوائية لإشباع اجرامهم الدموي بحق الشعب العراقي والفلسطيني هناك ، بل كان هدفهم توجيه الى فلسطين وقيادتها، بل انتقوا ضحيتهم بعناية وهم يعرفون سلفا ماذا تمثل لشعبها وانتفاضته في ذلك الحين، وستبقى حكايته وصورة نضاله تتقدم الصفوف حتى رفع علم فلسطين فوق القدس وحتى عودة الشعب الفلسطيني الى ارض ابائه واجداده .
كاتب سياسي