عبر موقع التواصل الاجتماعي وصلتني رسالة جاء فيها: الأخ فايز أبو شماله، أنا متابع جيد لمقالاتك في جريدة فلسطين، وأسمعك بين الحين والآخر على بعض الفضائيات، أنت صاحب رأى جيد وشجاع، ورأيك يثلج صدري وصدور كثير من الفلسطينيين والعرب, ومع ذلك سأقول لك: أنت تشن نقدا لاذعا للسلطة في رام الله ورموزها, وأنا معك في ما تراه فيهم من الخروج على كل قوانين ومواثيق الشعب الفلسطيني، ولكن السؤال الذي يراودني: هل لا يوجد لدى حماس اي نواقص تستحق منك مقالاً يشير الى موطن الخلل، ويفضح الفساد؟؟؟
هذه ليست المرة الأولى التي يلومني فيها القراء على عدم تعرضي بالنقد لحركة حماس، لقد سمعت الكثير، وكان ردي الوحيد، ولما يزل هو:
أنا لا أهاجم حركة فتح، ولا أدافع عن حركة حماس، فكل التنظيمات الفلسطينية العاملة في الساحة لها إيجابياتها ولها سلبياتها، ولأعضائها أخطاؤهم المرتبطة بالسلوك الإنساني، كالفساد مثلاً، وطالما صدقنا بأن كل من يعمل يخطئ، فمعنى ذلك أن حجم الخطأ يتكافأ مع حجم العمل، ومدته الزمنية، ومعنى ذلك أن تأثير الخطأ يتكافأ مع تأثير قرار المخطئ على حياة الناس، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن حياة الشعب الفلسطيني بكل تجلياتها قد صارت رهينة للقرار السياسي ـ وهو مجال النقد ـ ولما كان صاحب القرار السياسي المتحكم بساحتنا الفلسطينية هو تنظيم حركة فتح، فمعنى ذلك أن النقد لا بد أن ينصب على تنظيم حركة فتح صاحب القرار، لأن حركة حماس ما زالت تمثل المعارضة السياسية، ولا قرار سيادي لها.
قد يقول البعض: إن فضائح حركة فتح معروضة في السوق، بينما فضائح حركة حماس مغلقة في صندوق. وهنا لا بد من التأكيد أنني لا امتلك المفتاح، وأنني لم انتقد يوماً فضائح حركة فتح، وإنما انتقدتها لانتقادها حركة حماس على أسرها الجندي الإسرائيلي جلعاد شليط مثلاً، وانتقدها لأنها تحمل حركة حماس مسئولية تفشي البطالة في قطاع غزة، وانحباس الأمطار، وإغلاق المعابر، وانقطاع الكهرباء، وارتفاع الأسعار، والصحيح أن هذه القضايا التي تشغل بال الناس لها علاقة مباشرة بالمقاومة التي تسير تحت لوائها حركة حماس، وغيرها من التنظيمات الفلسطينية التي تحمل السلاح المقاوم.
ومع ذلك؛ فأنا لا أبرئ قادة حركة حماس من الأخطاء الإدراية، فهم بشر مثلنا، ولهم رؤيتهم السياسية، وسلوكهم الإنساني، وتصرفهم الحياتي، ويقعون في خطأ الاجتهاد، ولكنهم يتعلمون من أخطائهم، ويعالجون قصورهم، ويلاحقون كل انحراف دون مراعاة خواطر.
إن الذي ينتقد لا يعادي ولا يحقد، وإنما يسلط الضوء بكثافة على الخلل، وهو ممتلئ بالأمل، وسأضرب مثلاً على انتقادي لحركة فتح:
قبل أيام صرح قادة حركة فتح، بأن الحركة لم تقطع راتب أي موظف، وأنها لم تقطع حتى رواتب العملاء بما فيهم العميل عدنان ياسين، فكيف تقطع رواتب المناضلين الشرفاء؟
هذا التصريح يستخف بشعبنا الفلسطيني الذي يعرف أسماء آلاف الموظفين الفلسطينيين الذين تم قطع رواتبهم، دون أي إجراء قانوني، ودون تهمة غير الانتماء لحركة حماس، أو التعاطف اللفظي مع حركة حماس، أو المشاركة في عزاء تشارك فيه حركة حماس. ولتأكيد صحة ما أقول، استشهد بنفسي كموظف لم يجرؤ الحكم العسكري الإسرائيلي على فصلي من عملي، ولم يقطع راتبي رغم توقيفي سنة 76 مرة، وتوقيفي سنة 77 مرة ثانية، لم يجرؤ الاحتلال الإسرائيلي على قطع راتبي؛ لأنه لم ينجح في تقديم لائحة اتهام ضدي في ذلك الوقت، ولم يقطع الاحتلال الإسرائيلي راتبي، ولم يفصلني من عملي إلا سنة 85، بعد أن قدم لائحة اتهام ضدي، وأصدر حكماً قضائياً بسجني ثمانية عشر عاماً.
لقد قطع قادة السلطة الفلسطينية التي تقودها حركة فتح راتبي دون إنذار، ودون أي إجراء قانوني، ودون أي مساءلة، لقد قطعوا راتبي لمجرد تصريح عبر فضائية الأقصى أشدت فيه بالحسم العسكري الذي كان يجب أن يتم سنة 2007، الحسم الذي قضى على الانفلات الأمني؛ الذي أرعب حياة الناس في غزة، وأرق النساء، وقض مضاجع الأطفال.
إن السلطة الفلسطينية التي تقوم بقطع راتب الموظف، وتقوم بفصله جزافاً، هي السلطة نفسها التي تقوم بالتوظيف والترقية ومنح الرتب وصرف البدلات مزاجاً.