واهم نتنياهو حينما يتجرأ ويطالب بخطاب عن يهودية الدولة من قلب جامعة بيرزيت، فهو يظن أن تلك الجامعة غيرت مقاعد الدراسة التي جلس عليها يحيى عياش أو أنها نسيت ذاكرة المهندس صالح التلاحمة أو ألغت من سجلاتها قائمة الأبطال بلال البرغوثي وإبراهيم حامد ومحمود شريتح وأحمد الصيفي وسلامة قطاوي وأحمد أبو فخيدة؛ أو أنه نسي أن بيرزيت وضعت حدا لمهزلة حربه على قطاع غزة عام 2012 من خلال القائد القسامي أحمد موسى والشهيد محمد عاصي والأسير مفارجة؛ وللحديث بقية كثيرة لا وسع لها في مقال مختزل.
نتنياهو اعتقد لبرهة من الوقت أن الفلسطينيين كلهم على قلب منسق أمني واحد أو حتى مهرول للمفاوضات واحد أو شلة صغيرة، فكان رصاصه الغادر أسرع من مخططاته التهويدية ليصل إلى حرم جامعة بيرزيت، فالشهيد ساجي جرابعة أوصل بدمائه رسالة إلى كل من يفكر أصلا بأن يتخذ من حرم جامعة بيرزيت منبرا للتسوية الخرافية أو العبثية بأنه يعبث بأخطر ثوابت الجامعة، فساجي أكد أنها جامعة الشهداء وأن المسير هو ذاته الذي انتهجه جواد أبو سلمية وصائب ذهب منذ زمن مرورا بالقادة الشهداء والأسرى وصولا إلى جرابعة أخيرا، وحرم الجامعة منذ أن وجد كان ضد الاحتلال والتطبيع ومع المقاومة، فعبثية نتنياهو تتجسد في أمرين أولهما أنه يرى من الذي يطلب منه خطاب يهودية الدولة أنه موال تماما لمخططاته ويريد من رمزية بيرزيت المقاومة أن تتغير وهذا وهم؛ والأمر الآخر أن نتنياهو يرى بأن بيرزيت التي تمثل الشعب الفلسطيني في التحدي هي مفتاح لملفات كبيرة يريد من البعض أن يكون كبش الفداء للتسوية فيها.
ولكن من التاريخ والتاريخ يتكلم أن جامعة بيرزيت مهد مقاومة وحرم إرادة وعزيمة، فما حدث مع جوسبان والقنصل البريطاني وأجهزة فتح الأمنية وغيرها من الحوادث الكبيرة التي رد فيها الطلبة هناك أن لا مساومة ولا اعتداء على كرامة ومقاومة الشعب؛ مؤشر لمن يتخيل نفسه في خطاب "يهودية الدولة" بأن ذلك مستحيل، فجنازة الشهيد جرابعة صفعة خرجت من حرم الجامعة لمن يريد أن يغيره لمآرب أخرى وطلبة فلسطين والجامعات الفلسطينية لا يستهان بهيبتهم وقوتهم، فالتحدي هم صانعوه ولمن يريد أن يرى المستقبل فليفعل بما يؤمر.