يبدو غريباً أن أتحدث عن فضائل لحركة حماس على الناس في ظل الحصار الإسرائيلي الذي مزق اللحم، ودق العظم، ولاسيما أن الحصار قد ترافق مع حملة إعلامية واسعة المدى معادية للوطن فلسطين، ومعاندة للواقع، حملة إعلامية تحمل حركة حماس المسئولية عن تواصل الحصار الصهيوني، وتبرئ الصهاينة.
هنا لا بد من الإشارة إلى إن الهجوم الإعلامي الإرهابي الذي تتعرض له حركة حماس قد تأسس في مدينة تل أبيب؛ المدينة اليهودية التي تخاف من الفكر الإسلامي، وتتآمر على المسلمين ليل نهار، وهي تدرك أن وحدتهم تعني فرقتها، وأن نصرهم يعني هزيمتها، وأن تطورهم يعني تخلفها، وأن حياة المدن المسلمة تعني ممات المدن اليهودية، وتعرف تل أبيب أن القصف الذي تعرضت له قبل عام ليس إلا تدريباً، ومحاولات أولية لكسر حاجز العجز العربي، وبداية المشوار الطويل الذي وضعت المقاومة أقدامها عليه.
وسط هذه الحملة الإعلامية الإرهابية الظالمة تتجلى حقيقة استتباب الأمن في قطاع غزة، واطمئنان الناس على أموالهم وأعراضهم وبيوتهم وكل شئون حياتهم، وهذا ما يشهد به سكان قطاع غزة على اختلاف مشاربهم السياسية، لقد تأكد الجميع أن حركة حماس قد أمنت الناس من خوفٍ، رغم أن الحصار لم يساعدها لكي تطعمهم من جوعٍ.
إن نجاح حركة حماس في بسط الأمن كان قرين نجاحها في تقليص الانتماء للعائلة، ليصير الولاء للفكر أهم من الولاء للشخص، ويصير التواصل مع الرأي الموافق أقرب إلى النفس من التناطح مع الرأي المعارض، ويصير اللقاء ضمن الرؤية السياسية الواحدة أهم من الحشد العفوي ضمن إطار العائلة الواحدة، ويصير التنافس على قضايا مصيرية أجدى من التفاخر بمكانة الآباء والأجداد.
لقد قضت حركة حماس على العائلية المقيتة التي حصدت أرواح الأبرياء في شوارع غزة، وداست حماس على النفخة العائلية التي تسببت في نشوب معارك مسلحة بين العائلات، اسفرت عن عشرات الضحايا، معارك أعادتنا إلى زمن الحرب بين قبيلة داحس والغبراء.
لقد نجحت حركة حماس في طمأنة الناس على أمنهم الداخلي، ولكنها عجزت عن طمأنة الناس على حياتهم في الطرقات، وبمقدار ما تجلى تفوقها في محاربة الانفلات بمقدار ما غاب حضورها عن الطرقات، حتى باتت الطرق تنغلق وتفتح ممراتها حسب مزاج سائق، ووفق هوى حمار يقود عربة كارة، وبناء على تقدير راكب التكتك.
فكيف تنجح الحكومة في بسط الأمن بين الناس، وتفرض هيبتها؟ وكيف تنجح في بث الرعب في قلوب الصهاينة، وتفرض هيبتها؟ وفي الوقت نفسه تفشل في ضبط الانفلات المروري، وتعجز عن بسط القانون على الطرقات، لتفقد هيبتها؟