مربع (الدولة، القانون، السلطة، التداول)

بقلم: أحمد إبراهيم الحاج

الدولة هي الأساس، وهي مجموعة من الناس متنوعي الفكر والعقيدة يعيشون في بقعة جغرافية ذات حدود (إقليم) تسمى (الوطن) ، لهم تاريخ مشترك وتراث متماثل، يعيشون سوياً تحت خيمة قانون متفق عليه فيما بينهم، ينظم علاقتهم ببعضهم البعض (القانون الداخلي) وبينهم ككيان وطني وبين غيرهم من الكيانات الوطنية لسكان الدول (القانون الدولي)، ومعظم القوانين الوضعية مؤطرة بتعليمات وحدود وهدي من الرسالات السماوية المتعاقبة. وفي واقع الأمر لا تناقض بين الرسالات السماوية منذ البداية الى الخاتمة، لذلك يفترض أن تتوازى وتتماثل الحدود والأطر للقوانين الوضعية التي ابتكرها الإنسان ليشرع لما يستجد من منتجات وابتكارات واكتشافات علمية وبنية حضارية وثقافية. واتفق الناس فيما بينهم على قيام سلطة مختارة منهم يناط بها أمانة تطبيق القانون المتفق عليه بالتساوي بين الناس في حقوق وواجبات المواطنة.

إذن الدولة بمكوناتها السكانية هي التي أنتجت القانون ووضعت نظاماً لإختيار السلطة الحاكمة وتداولها.فالسلطة من منتجات الدولة ومن أحد أذرعها ومكوناتها. والدولة مجموعة من المؤسسات الخدمية والإنتاجية والرعوية التي تلبي حاجة مواطني هذه الدولة من متطلبات إقتصادية وتعليمية وأمنية وتنموية. والدولة هي الرقم الثابت والقاعدة الراسخة في هذا المربع. القانون والسلطة لهما ثوابت وأطر وبداخلها متغيرات حسب الحاجة والمصلحة العليا.

إذن هنالك تقاطع والتقاء بين القانون (فالشعب يشرع القانون) والسلطة (مسؤولة عن تطبيق القانون) من جهة وبين التداول من جهة أخرى. القانون تتداوله الأجيال وتعمل على تطويره وتحديثه بما يتناسب مع الواقع المستجد مع الإحتفاظ بالثوابت المحددة والتي لا يختلف عليها الناس، والسلطة يتداولها نخبة منتخبة من أبناء الوطن يقومون على رعاية تطبيق القانون والحكم بين المواطنين بالعدل، بمبدأ الكل سواسية تحت مظلة القانون دون تمييز بغض النظر عن العقيدة والفكر والعرق واللون. وإن قصرت السلطة في الحفاظ على تأدية هذه الأمانة فيجب أن تخضع فوراً للتداول السلمي ضمن آليات واضحة في إطار القانون، ليخلفها سلطة تستطيع تحمل أعباء هذه الأمانة الثقيلة. فالسلطة تكليفٌ وليست تشريف، ويفترض أن لا يمارسها الاّ من هو قادر على تأديتها بأمانة. وأن لا يقترب منها من يشعر بعدم كفاءته في ممارستها. ومن يدخل معترك السلطة باحثاً عن مجد وسلطان ومنافع شخصية أو فئوية فسوف يلاقي ما لا تحمد عقباه. ومن واجب السلطة الحفاظ على هيكلية الدولة دون المساس بها الا في إطار ما يسمح به القانون.

الدولة شجرة مثمرة ووارفة تظل الشعب بظلالها، وترضعه من أثدائها وتطعمه من ثمارها. والسلطة غصن من أغصان هذه الشجرة، يجب أن يبقى حياً أخضراً يانعاً ليحظى بالإستمرارية والقبول، وإن نخره السوس أو أصابه مرض عضوي أو نفسي فيجب أن يُستأصل لكي لا يصل مرضه وسوسه الى مكامن شجرة الدولة.

الدولة أصل والسلطة فرع. فكيف للفرع أن يتطاول على الأصل، والدولة والتدوال خطان متوازيان لا يلتقيان أو يتقاطعان. وهذه الحقيقة لم يدركها الإخوان المسلمون عندما اعتلوا صهوة السلطة، فكان همهم الأول والوحيد أن يتطاولوا على شجرة الدولة التي ينتفع منها كل المواطنين ويستظلون بظلالها ويحظون بشرف العيش تحت خيمتها. أرادوا أن يتدولوا الدولة كما تداولوا السلطة وكأن ملكيتا آلت لهم وحدهم. وتداول الدولة في مفهومهم هو اقتلاعها من جذورها التاريخية والحضارية الراسخة، وشطب ذاكرتها الوطنية والثقافية، وزراعة نبتة دولة جديدة على مقاسهم وأهوائهم تظلهم لوحدهم وتبقي بقية المواطنين في العراء، تماماً كمن يريد أن يبني بناءً في الهواء لا يرتكز على أساسات راسخة في الأرض التي هي إكسير الوطن وعشق مواطنيه.

والجيش هو الهيكل العظمي الذي تقوم عليه الدولة، والذي تتربى عليه العضلات التي تدافع عن حرمة الوطن وأمن المواطنين، وكلما كان حيش الدولة قوياً ومتماسكاً كان الوطن ومواطنيه بخير وأمن وسلام، وعناصر الجيش من منتسبيه هم أكثر المواطنين وطنية، لأن من ينتمي لهذه المؤسسة يضع في إعتباره التضحية بحياته يوماً ما في سبيل أمن الوطن ومواطنيه، حتى وإن لم يكن الدافع وطنياً بالأساس وهذا ما قل، ولكن الغالبية ينتمون للجيش بدافع حمل الشرف وحرارة الوطنية وطمعاً في الشهادة.

وكانت القشة التي قسمت ظهر البعير في حكم الإخوان هي محاولة المساس بمؤسسة الجيش والإيقاع بينها وبين المواطنين، واستبدالها بميليشيات تدين للحزب وليس الوطن. فكان السقوط على يد مؤسسة وطنية راسخة ممتدة جذورها في أعماق التاريخ وبتفويض من الشعب الذي انتفض مطالباً بالرحيل.

أما آن لهذا الحزب القديم بخبرته وتاريخه أن يستفيد من تجاربه الفاشلة في الإدارة السياسية والمدنية، وأن يعترف بأخطائه ولو لمرة واحدة. وأن يئوب الى رشده. كفى الأمة استهتاراً بعقول أبنائها، وتفرقة لأبنائها، ورحمة بأشلائها المتناثرة على تراب أوطانها بفعل هذا الفكر المنغلق المتحجر الذي جر وما يزال يجر المصائب لهذه الأمة التي تمتلك أقوى وأشد عوامل التماثل والوحدة على وجه الأرض، ولديها عقيدة سمحة ويسيرة وواضحة في نصوصها وحلالها وحرامها.وتعايش في ظلالها وتحت خيمتها كل الطوائف والأعراق والعقائد بسلام ومحبة وحسن جوار.