خطاب "الملك عبد الله الثاني" أمام ممثلي مؤسسات الدولة، من مجلس النواب، ومجلس الأعيان، والمجلس القضائي، والمحكمة الدستورية، وطبعاً الحكومة الأردنية، وإنذاره لمن وصفهم بمثيري الفتنة، وناشري الشائعات حول كذبة الوطن البديل، مهددا بالكشف عن أسمائهم، فجاء خطابه الساخن أمام هذه النخبة، حول ما يشاع عن خطة "جون كيري" بالوطن البديل، مشدداً على أن الشعب الفلسطيني لا يقبل بالوطن البديل، وأن الأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين، وأحدث هذا الخطاب، ردود فعل متوافقة مع رؤيا الملك، واحتل عناوين ووسائل الإعلام في الأردن وخارج الأردن.
الموقف الأردني الرسمي والشعبي، من القضية الفلسطينية واضح وثابت، وقد يكون "الملك عبد الله الثاني"، الزعيم العربي الوحيد، الذي يجوب دول العالم، ويلتقي مع رؤسائها وبرلماناتها وقياداتها لتحريك المسار السياسي، من أجل إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، الذي يرى بإقامتها مصلحة أردنية، وهذا الرد الأمثل على مروجي الشائعات من جهة، وعلى ما تبثه إسرائيل من حرب نفسية، مع أنني لا أعرف أشخاصاً أو تيارات في الأردن على الإطلاق، تروج لفكرة الوطن البديل، لكن ما يروج لها يأتي من قبل إسرائيل ووسائل إعلامه.
إن من يطرح المشاريع عن الوطن البديل، أو الأردن هي فلسطين، أو حل القضية الفلسطينية بالأردن، هي حكومة اليمين الإسرائيلي، وبعض أحزاب اليمين الإسرائيلي، من خلال برامجها السياسية والتي يطرحونها وينشرونها في وسائل إعلامهم، فحكومة "نتنياهو" التي تعرقل إقامة الدولة الفلسطينية، من خلال زرع الأراضي الفلسطينية بالمستوطنات، كي لا تبقي مكاناً لإقامة الدولة الفلسطينية عليها، هي التي تسعى لإقامة الوطن البديل، فالسياسة الإسرائيلية تعتمد على الخطوة تلو الأخرى، فقد كانت إسرائيل مستميتة لعقد السلام مع الأردن، وهم لم يتحدثوا عن الوطن البديل قبل سنوات السبعينات، وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، فالمشروع الصهيوني للوطن البديل، هو مشروع قديم مؤجل، يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وتصدير الأزمة إلى مكان آخر.
إن المعركة ضد الوطن البديل، يجب أن تكون في إسرائيل، فهم الذين يخططون ويروجون للوطن البديل تحت أسماء مختلفة، ولمعرفة جذور هذه المخططات، علينا العودة إلى برامج وأدبيات الحركة الصهيونية، فحزب الليكود الحاكم، الذي يتبنى نظرية زعيم الحركة الصهيونية التصحيحية "زئيف جوبوتنسكي"، بأن ما يطلقون عليه بـ "أرض إسرائيل" أي فلسطين الانتدابية، هي ملك بلا منازع لليهود، ونذكر بأن شعار هذا الحزب، هو جندي يهودي يحمل بندقية، يقف على نهر الأردن، رجل في الضفة الغربية للنهر، والأخرى بالضفة الشرقية، نفش على البندقية، هذه لنا وتلك أيضاً، أي أنهم لن يكتفوا بالأراضي الفلسطينية، بل بالضفة الشرقية من الأردن أيضاً، فمن وجهة نظر الحركة الصهيونية، فإن شرقي الأردن شُملت بوعد بلفور بالوطن اليهودي، متجاهلين بأن "الملك عبد الله الأول"، نجح بإخراجها من هذا الوعد اللئيم في سنوات العشرينات، بقرار من رئيس الحكومة البريطانية "ونستون تشرتشل"، إلا أن أطماع اليمين الصهيوني بقيت على حالها، فهم يقولون أنهم متنازلون عن القسم الآخر من وعد "بلفور" أي شرقي الأردن، على أن يجري حل القضية الفلسطينية فيها، حتى أن نائب الكنيست "موشيه فغلين"، أحد أقطاب حزب الليكود-الذي طرح في الكنيست السيادة اليهودية على الأقصى- ينكر أساساً وجود شعب فلسطيني، وينادي بالترانسفير للفلسطينيين، والتمسك بـ "أرض إسرائيل" من النهر إلى البحر، وأن مصير الفلسطينيين سيتحقق في الدول العربية، ومن يتبقى منهم بفلسطين سيتم إعطاؤهم إقامة دون حقوق سياسية، وهذه النظريات تنطبق على حزب إسرائيل بيتنا برئاسة "أفيغدور ليبرمان"، وأحزاب اليمين الأخرى، وحزب البيت اليهودي برئاسة "نفتالي بينت" فهؤلاء الذين يخططون لطرد الفلسطينيين، ويخططون للوطن البديل، ومنح فلسطينيي الضفة الغربية جوازات سفر أردنية، وأن تكون حقوقهم السياسية في الأردن والتصويت للبرلمان الأردني إذن فالمعركة معركتنا ويجب أن تكون مع هؤلاء المستعمرين.
نائب الكنيست المتشدد "موشيه فغلين" - وما أكثر متشدديهم- طالب الكنيست ببسط السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وقيل أن مشروعه جمد دون أن يطرح للتصويت، فقد نشرت جريدة إسرائيل اليوم الإسرائيلية بتاريخ26-2-2014، أن هذا التجميد جاء بنجاح الضغط الأردني، لكن موضوع البحث لم يشطب من جدول أعمال الكنيست، فمجرد مناقشته يعتبر استفزازاً يهدد أحد بنود معاهدة السلام الإسرائيلية-الأردنية، ويعرضها للانهيار، إذ أن إلغاء المعاهدة يصب في صالح برامج اليمين الإسرائيلي، وقد تكون هذه الاستفزازات من أجل هذا الإلغاء، وبينما يشتمل برنامج حزب الليكود الحاكم، على فرض سيادة إسرائيلية كاملة على ما يطلقون عليه بأرض إسرائيل من البحر إلى النهر، وأن أرض إسرائيل ملك للشعب اليهودي، وعدم تسليم الضفة الغربية للغرباء، أي الفلسطينيين، فإن رابطة الدفاع اليهودية، في برامجها تنادي بطرد مواطني الضفة الغربية، وتوطينهم في الأردن والدول العربية، كما تدعو إلى طرد عرب 1948 من حملة الجنسية الإسرائيلية، وأن البند الأول من برنامجها السياسي: الحدود الطبيعية لدولة إسرائيل، من النيل إلى الفرات.
إسرائيل كما هو معروف، لا تحترم قرارات الشرعية الدولية، ولا القانون الدولي، ولا حتى الاتفاقات الموقعة معها، فلم يمض أسبوعان على بحث الكنيست فرض السيادة الإسرائيلية على الأقصى، فإن اللجنة الداخلية التابعة للكنيست، دخلت إلى موضوع الأقصى من باب آخر، يصب في نفس الموضوع، فقد أقرت يوم الأربعاء 4-3-2014، إنشاء لجنة فرعية للبحث في قضية دخول اليهود إلى المسجد الأقصى، فالتوجه الذي قام به مجلس النواب الأردني، رداً على مناقشة الكنيست، بسحب السيادة الأردنية عن الأقصى، ونقلها لإسرائيل، وطرد السفير الإسرائيلي، هدفه الضغط على إسرائيل، وقضية الشارع الأردني، الذي لا يحتاج إلى تعبئة، فهو معبأ أصلاً، لكن القرار هو رسالة موجهة إلى الحكومة الإسرائيلية، وإلى الكنيست ونوابه، وللأحزاب الإسرائيلية، وإلى الرأي العام الإسرائيلي، فقد جاء قرار النواب صرخة يحسب لها حساب، لكنه غير كافٍ، فالمطلوب البحث عن وسائل أخرى للضغط على إسرائيل، بعدم اللعب بالنار، وهي نار دينية تأكل الأخضر واليابس إذا استمرت إسرائيل بهذه السياسة، مع أنهم يعترفون بأن الأوقاف الأردنية هي التي تصرف وتدير وتهتم بكل ما يتعلق بالمسجد الأقصى والأماكن الدينية قبل وبعد العدوان الإسرائيلي عام 1967، فإن تحذير "الملك عبد الله الثاني" من نشر الشائعات حول الوطن البديل مهم، لكن التنبيه وكشف المخططات والنوايا الإسرائيلية، واجب علينا، وكما قال رئيس مجلس الأعيان "د. عبد الرؤوف الروابدة"، أنه لا وجود للوطن البديل على الخارطة الأردنية، ولا الفلسطينية، وعلينا التصدي لهذه المشاريع والمخططات والأيديولوجيات الإسرائيلية، وعدم الاستهانة بها، وحذار من نقل المعركة ضد هذه المخططات الإسرائيلية، الذي تسعى لابتلاع الأراضي الفلسطينية، لمنع إقامة الدولة الفلسطينية، ويقول بأن الدولة الفلسطينية هي الأردن، فإن الترويج للوطن البديل، تشكل أكبر خدمة للمخططات الإسرائيلية، محذراً من هذا الترويج.