على وقع طبول الحرب التي تدقها حكومة الكيان الصهيوني، ضد الشعب الفلسطيني الصامد في وطنه، سواء في قطاع غزة، أو الضفة الغربية، أو القدس، بالغارات والطائرات، والاغتيالات والتصفيات، والتوسع الإستيطاني الشرس، الذي يستهدف القدس الشريف والضفة الغربية، يتوجه الرئيس الفلسطيني إلى لقاء سيد البيت الأبيض يوم 17/03/2014م، ليقف على حقيقة ما تمخضت عنه الدبلوماسية الأمريكية، خلال الشهور الثمانية المنصرمة على بدء المفاوضات التي قادها السيد كيري بين الجانبين الفلسطيني والكيان الصهيوني، من أجل وضع إطار إتفاق للتفاوض، حيث قام بما يمكن أن نطلق عليه ((سبر أغوار)) الطرفين إزاء قضايا الوضع النهائي، وما عرضه كل طرف بشأنها، أو ما اشترطه من اشتراطات، يرى أنها واجبة الإلتزام من الطرف الآخر، حتى يتمكن من التوصل إلى إتفاق يضع حداً للصراع، أو يضع الطرفين، على طريق تفاوضي، يفضي إلى تسوية مقبولة.
الدبلوماسية الأمريكية لا تجهل حقيقة الواقع القائم، ولا تجهل حقيقة المواقف والنوايا للطرفين، ولكنها تقوم بعملية تغابي، وتجاهل، وكأنها غشيمة بحقيقة الصراع، الشعب الفلسطيني الذي نُكِبَ بقيام الكيان الصهيوني، منذ أكثر من خمسة وستين عاماً، وتحول نصفه إلى لاجئين ومشردين، والذين يزيد عددهم اليوم على ستة ملايين لاجئ، وحرم من أبسط حقوقه الإنسانية والسياسية في العيش الحر الكريم في وطنه، أسوة بغيره من الشعوب، ماذا ينتظر أن يقدم من أجل السلام أكثر مما قدمه من تنازلات مؤلمة من أجل إنجاز تسوية تضع حداً لدائرة العنف، وتوفر الحد الأدنى من الحقوق المشروعة له للعيش بأمن وأمان في دولة مستقلة لا تزيد مساحتها عن 22% من مساحة وطنه الأصلي ...!!!
إن مثل هذا التنازل المؤلم، الذي قدمه الشعب الفلسطيني، من أجل التسوية، يفرض على الكيان الصهيوني، وعلى الولايات المتحدة أن يدركا أن هذا التنازل، الذي أملته موازين القوى المختلة، والنظام الدولي الظالم، والأوضاع الفلسطينية والعربية القائمة، قد لا يستمر عرضه طويلاً، وقد يضطر الشعب الفلسطيني ومعه الأمة العربية لسحب هذا التنازل، أمام تمادي الكيان الصهيوني في غيه، وتلاعبه، واستثماره اللامحدود لإنحياز النظام الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، واستغلال الأوضاع العربية والفلسطينية، التي سهلت له الاستمرار بسياسة المساومة، والتسويف، ووضع الاشتراطات اللامعقولة، من الإعتراف بيهودية الدولة الصهيونية، إلى الاحتفاظ بالمستوطنات، والتخلي عن الأغوار الفلسطينية، وعن القدس، إضافة إلى مطالبته بإسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين، كل ذلك يجعل من التسوية والسلام ضرباً من ضروب الخيال السياسي الصهيوني المريض بعقدة الخوف، وعقدة العظمة في آن واحد !!!
الرئيس أوباما يجب أن يدرك جيداً، أنه لا مجال أمام الشعب الفلسطيني وقيادته، وعلى رأسها السيد الرئيس محمود عباس "أبو مازن"، مجرد التفكير بمثل هذه الاشتراطات، والمطالب الصهيونية، لأنها معاول هدم وتدمير لكل فرص التسوية والسلام في المنطقة، وأن الشعب الفلسطيني لن يعدم الوسيلة في مواجهة هذه الغطرسة الصهيونية، والتجاهل المبرمج لحقوقه المشروعة، لقد أكد الشعب الفلسطيني وقيادته، رغبتهم الحقيقية في التسوية والسلام، وفق شروط موضوعية، تقرها الشرعية الدولية، يعرفها القاصي والداني في هذا العالم، وهي إنهاء الاحتلال الذي بدأ في الرابع من حزيران، والإنسحاب من الأراضي المحتلة، وكنس الاستيطان، وتمكين الشعب الفلسطيني من بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وحل مشكلة اللاجئين وفق القرار 194 لسنة 1948م، دون ذلك لا يمكن للشعب الفلسطيني وقيادته أن يقبلوا بتسوية منقوصة، أو تنتقص من هذه الحقوق، التي تمثل الحد الأدنى، وإلا فإن الطريق سيكون ممهداً لاستمرار الصراع، الذي لن يتوقف إلا بفشل المشروع الصهيوني فشلاً كاملاً، وإلحاق الهزيمة الكاملة به، أمام مواجهة الشعب الفلسطيني له، وانتصار مشروعه الوطني والقومي والذي يتمثل في إنجاز الدولة الديمقراطية الفلسطينية على كامل إقليم فلسطين، وعلى أنقاض الكيان الصهيوني، الذي يرفض الحلول الوسط، عندها يتعايش في فلسطين الديمقراطية الجميع بمساواة تامة على اختلاف معتقداتهم وأجناسهم، بعيداً عن كل أشكال التفرقة العقائدية، والتمييز العنصري الذي تأسس على أساسه الكيان الصهيوني.
يجب أن يدرك السيد أوباما أن فشل من سبقه من الرؤساء الأمريكيين في تحقيق التسوية هو إنحيازهم، أو ممالئتهم لتلك الاشتراطات الصهيونية، فإذا أراد الرئيس أوباما أن يحقق النجاح في إنجاز تسوية مقبولة، عليه أن يلتزم بالشرعية الدولية وبقرارات الأمم المتحدة، التي كفلت حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه، وأن يراعي قواعد القانون الدولي في دفع الطرفين للتوصل إلى إتفاق إطار، أو تسوية تضع حداً لحالة الصراع الدائر، وتنقل المنطقة إلى حالة من الاستقرار، وتضمن الأمن للجميع للعيش بسلام، عندها فقط تتمكن الدبلوماسية الأمريكية وعلى رأسها الرئيس أوباما من تحقيق إنجاز سيسجله له التاريخ وللولايات المتحدة، وسيسمع الرئيس أوباما هذا الموقف من الرئيس الفلسطيني عند استقباله له في البيت الأبيض، كما أن القادة العرب الذين سيقوم بلقائهم في زيارته المزمعة للمنطقة في 21/03/2014م، سوف يسمعوه نفس الموقف العربي المتطابق مع الموقف الفلسطيني، وخصوصاً في الرياض والعواصم العربية الأخرى، فهل يغتنم الرئيس أوباما الفرصة؟ وينقذ مسيرة المفاوضات والتسوية من الفشل، الذي يسعى إليه قادة الكيان الصهيوني، الذين يرفضون القيام بما يتوجب عليهم من أجل إنجاح المفاوضات، ويقوم بما يتوجب عليه، وبما يملكه من نفوذ، في الضغط على قيادة الكيان الصهيوني، للإذعان لإستحقاقات التسوية العادلة والمطلوبة ؟؟!! وبالتالي التوصل إلى إتفاق إطار يضمن ذلك، ويضمن الوصول إلى تسوية مقبولة.
نتمنى ونأمل منه العمل على تحقيق ذلك ...!