أفاق الشاب الفلسطيني محمد وزميليه سلامة ومصطفى عندما كانوا جميعًا مستلقين بجوار بعضهم البعض، على مقربة من مدخل نفق يعملون به، في منطقة الشريط الحدود بين مصر وقطاع غزة، على صوت انفجارات هائلة هزت محافظة رفح، كي يرى مكان الانفجارات.
ووقف محمد وزميليه على تلال رملية تزيد ارتفاعها عن خمسة أمتار بجوار النفق، ليشاهدوا مكان الانفجارات والتعرف على ماهيتها، والتي كانت عبارة عن قصف من الطائرات الحربية الإسرائيلية لأرضٍ زراعية فارغة، بمنطقة "مصبح" شمال المحافظة..
واعتقد وزملائه في بداية الحدث أن الانفجارات ناتجة عن تفجير منزل بالجانب المصري من الحدود، أو تفجير لنفق وما شابه ذلك، دون أن يخطر ببالهم بأنه قصف إسرائيلي، ولم تمر دقيقتين أو أقل حتى أغارت الطائرات الحربية على النفق الذي يعملون بداخله بصاروخين.
ولم يشعر محمد بنفسه من شدة الانفجار الذي ألقى به مسافة تزيد عن عشرة أمتار، مما تتسبب بإصابته بكدمات ورضوض بمختلف أنحاء الجسد، كذلك زميليه اللذين سقطا أرضًا بعدما ألقى انفجار الصاروخين بهما لمسافة مماثلة.
ولم يستطع الشاب محمد التحرك "تحت زخات المطر الغزير"، الذي حول أرض منطقة الأنفاق الطينية الحمراء "لوحل" يصعب السير بها أو وصول السيارات لها، إلى أن تمكنت سيارات الإسعاف والموطنون من عمال الأنفاق ورجالات الأمن من نقلهم لمستشفى الشهيد أبو يوسف النجار بالمحافظة.
ورقد محمد وزملائه بجوار بعضهم البعض على أسرة المستشفى، وأجسادهم وملابسهم قد غاصت بالوحل، فيما ينشغل الأطباء بتفقد الجروح بأجسادهم، وبدا عليهم غير مصدقين ما حدث معهم، حيث تجسدت حالة الخوف بنفوسهم من خلال "حركات أقدامهم ".
وحاول مراسل وكالة "وكالة قدس نت للأنباء" التحدث معهم ومعرفة ما حدث رويدًا رويدًا قبل أن ينقلوا لغرف "الأشعة" لتصويرهم، ليقول محمد بكلماتٍ محدودة : "كنت نائم بالنفق منذ الأمس، وهو ملك لي، وأقوم بترميمه منذ أيام، بعد أن تعرض للتدمير من قبل الجيش المصري قبل أسابيع".
ولم يستطع محمد الإكمال لننتقل للحديث مع سلامة ليقول باقتضاب وهو يضع يده اليسرى على رأسه ويأن ألمًا من قدمه التي أصيبت برضوض، : "كنت داخل النفق المستهدف، قبل أن يتم قصفه بلحظات، وخرجت لمشاهدة غارات أخرى برفح، وقصف المكان واصبت أنا وزملائي..".
وعدنا لنتحدث لمحمد وهو ينتظر العبور لغرفة "الأشعة"، ليخبرنا أنه خرج لمشاهدة أين وقعت الانفجارات التي وقعت حينما كان مستلقيًا داخل النفق، وما هي سوى لحظات وحدث القصف وأصبت برضوض، قائلاً : "لأنجو من الموت بأعجوبة".
ويلفت أنه لم يصدق نفسه أنه بقي على قيد الحياة، رغم أن القصف كان بجواره على بعد أقل من 20 مترًا، مضيفًا : "نحن نعلم بوجود تصعيد وقصف، لكن لم نكن لو للحظة نتوقع أن يتم قصف الأنفاق، دون سابق إنذار من أي جهة".
ويتمنى محمد أن ألا تقدم إسرائيل على شن حربًا على حساب أرواح المدنيين العزل، وما إن فرغنا من الحديث معه هممنا لاستكمال عملنا، وبقي يرقد بالمستشفى لاستكمال العلاج، ومشاعره تختلط ما بين الخوف والصدمة التي ارتسمت بمختلف أنحاء جسده.
وتعرض قطاع غزة خلال اليومين الماضيين لسلسلة من الغارات الجوية الاسرائيلية بعد اطلاق فصائل المقاومة الفلسطينية عشرات الصورايخ على مستوطنات "غلاف غزة" ردا على اغتيال ثلاثة من قياديي سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي الثلاثاء الماضي، عدسة "وكالة قدس نت للأنباء" اعدت هذا التقرير المصور من قلب المناطق المستهدفة في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
تصوير: عبد الرحيم الخطيب