أبو مازن .. إني أراكَ لحنت


 يبدو أن من صاغ وكتب خطاب الرئيس عباس الذي ألقاه في جلسة المجلس الثوري لحركة فتح المنعقدة بمقر الرئاسة في رام الله كمن دس له السم في العسل وأكاد أجزم انه لا يريد له خيرا أبدا لكثرة ما جاء به من مغالطات وأكاذيب وتُهم تجافي الحقيقة وتنم عن جهل بالواقع و بالأحداث على الساحة الفلسطينية , اتهامات قام بتوزيعها يمنة ويسرة دون أي أدلة ملموسة أو إثباتات , فإن كنتم تملكون كنز المعلومات هذا فهنا أسئلة برسم القلم تحتاج إلى إجابات مقنعة , نبدأها بأين كانت عدالتكم طوال تلك السنين يا سيادة الرئيس ؟ و لماذا لم تعملون على منع وقوع تلك التجاوزات الخطيرة في وقتها إن كانت حقيقية ؟ أليس من الأجدر إحالة هذه الملفات والقضايا الخطيرة إلى القضاء الفلسطيني في حينها وزمانها ؟ ألم تعلمون أن السكوت والتستر على الجريمة من ناحية قانونية يُعد مشاركة فيها ويستحق عقابا كمن شارك فيها ؟ ألا تعلمون أن الساكت عن (الحق ) شيطان أخرس ؟ ألا تعلمون كم عدد الأبواب التي سيفتحها خطابكم التاريخي على مصراعيها للطامعين والشامتين والمتربصين بنا وبمشروعنا الوطني وارتفاع ألسنة لهب الحرائق التي أشعلها ؟ ألم يخبروك يا سيدي أن من يفتح الأبواب يُغلقها ومن يُشعل النيران يُطفئها ؟ وأن فتح ستدفع من لُحمتها المترهلة أصلا ثمنا باهظا لكل ما جاء في خطابكم الجليل ! هل أخبروك يا سيدي بالظروف والأحداث العصيبة التي تمر بها غزة أثناء بث خطابكم على شاشة الكل الفلسطيني شاشة تلفزيون فلسطين ؟ _ ويا ليتهم ما بثوا _ , هل من أدبيات الخصومة بين الرجال الطعن في شرفهم ونضالهم وتضحياتهم وتشويه تاريخهم الذي كُتب بالدم والعرق وزهرة الشباب ؟ أخبرني بربك ماذا ستقول لشعبك عندما يكتشفون أن ما جاء في خطابكم (المصيبة ) يجانبه كثير من الصواب ؟ ماذا سيكون موقفكم القانوني والأخلاقي يا سيدي إذا ما قضت محكمة مستقلة وعادلة بعدم صحة تلك الادعاءات والتهم التي سقتموها جزافا ؟
هل تقول لهم ( لقد وقعنا في الفخ,, وجلّ من لا يسهو والمسامح كريم ) ؟
إن خطابكم يا سيدي فرقّ أكثر مما جمعّ , وأضرّ أكثر مما نفعّ ودمرّ أكثر مما عمرّ , بل وزاد من الخصومة والشقاق وكرسّ التشرذم والانقسام والتشتت الداخلي ولم يحقق أهدافه المرجوة التي تعرفها جيدا ويعرفها أكثر منّ أوقعوك في هذا الفخ .
كان الأجدر يا سيادة الرئيس أن يكون الخطاب مكرسا لتتدارس الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المزرية التي وصلت إليها الحالة الفلسطينية وسُبل النهوض بها, ولكن للأسف ها هي بطانة السوء المحيطة بك تورطك من جديد في معركة خاسرة أخرى وبزمان ومكان غير صحيحين وبصب مزيدا من الزيت على النار , كنت أتمنى عليك يا فخامة الرئيس قراءة الخطاب أكثر من مرة قبل إلقاءه أمام هيئة قيادية مسئولة ومن ثم بثه لعموم الشعب ومراجعة ما جاء به من أحداث ووقائع وتواريخ مغلوطة علّك تكتشف ما يُدبر لك من توريط وإساءة لا تليق بفخامة رئيس دولة فلسطين .خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تحتاج فيها كل دعم ودعاء بالتوفيق والسداد في معركة واشنطن القادمة والحاسمة .
لن أركز هنا على تفنيد تلك الأكاذيب والأباطيل التي تسئ لحركة فتح ورئيسها قبل أن تسئ لمن ذُكروا في الخطاب (( الفضيحة )) , فلهم كل الحق في الخروج والدفاع عن أنفسهم واثبات براءتهم . وأظنهم ليس بعاجزين عن ذلك . وأتمنى عليهم أن لا يكون في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها الشعب الفلسطيني والتحديات المنتظرة , وسنكون مقدرين وشاكرين لهذا الموقف الوطني المسئول والذي هو موقف الأقوياء ..
ولكن أكثر ما أخشاه هو تبعات هذا الخطاب و ردود الأفعال على وجبة الغسيل القذرة هذه وانعكاساتها السلبية وخطورتها على الصعيد الشعبي عامة والفتحاوي خاصة .
همسة أخيرة يا فخامة الرئيس واستميحك العذر فيها وأرجو أن تتقبلها بمنطق الأب الحاني وان يتسع صدركم لها .
إن من يريد أن ينهي حياته السياسية بشكل مشرّف يا سيدي لا يُسلم نفسه لثلة من مستشاري السوء اللذين لا همّ لهم سوى منصب هنا أو امتياز هناك ، ولا يُعاقب الناس على مواقفهم وتوجهاتهم وأرائهم في قوت عيالهم وقطع أرزاقهم ، يجّمع ولا يفرّق يا سيدي , يحتضن الجميع دون استثناء المعارض قبل الموالي , الكبير قبل الصغير حتى وإن كان عاقاً ، يكون قلبه كقلب فتح كبيرا رحبا متسامحا يتنافس مع خصومه السياسيين بأخلاق المناضلين الشرفاء لا بتخوينهم وإقصاءهم وتشويههم .
إن من يريد أن يُنهي حياته السياسية بشكل مُشرف لا يتجبر ولا يتسلطّ ولا يتفرد ولا يستأثر , بل يحاور ويستشير ويسأل ويتقبل الرأي والمشورة من أصحاب الخبرة والحنكة .
إن من يريد أن يُنهي حياته السياسية بشكل مُشرف يتعالى ويتسامى على الجراح ويُقدّم مصلحة وكرامة الوطن على مصلحته وكرامته الشخصية .
إن من يريد أن يُنهي حياته السياسية بشكل مُشرف عليه أن يصارح أبناء شعبه بما يُدبر للقضية من حلول تصفوية لا تُلبي الحد الأدنى من تطلعات الشعب .
إن من يُريد أن يُنهي حياته السياسية بشكل مُشرف عليه أن يُنهي حالة التشرذم والاستقطاب في البيت الفتحاوي الداخلي تمهيدا لإنهاء الانقسام البغيض بين شطري الوطن الذي حدث في عهده . وما زال حتى اللحظة .

كتبه أحمد العجلة /

أخيرا : فلتُعد الخطاب مرة أخرى يا سيدي , إني أراك لحنت .
والله من وراء القصد ..
[email protected]