هناك علاقة متبادلة بين الاقتصاد والسياسة، وبدون نظام سياسي ديمقراطي لا يمكن للاقتصاد أن يتحرر كلياً من منظومة القوانين المعيقة للتطور والتحديث على صعيد الدولة والمجتمع .وبما أن الاقتصاد مرآة عاكسة للنظام السياسي والاقتصاد يكشف قوة النظام السياسي، وقدرته على تحديد وخلق سياسة اقتصادية قوية للملكية والسوق. وعليه فأن النظام السياسي هو الذي يحدد مدى التطور في القطاعات الأساسية للدولة خاصة منها القطاعات الإنتاجية التي ترفد الدولة بالموارد المالية اللازمة لانعاش القطاعات الخدماتية الأخرى. ومن هذا المنطلق فأن نظرتنا المعمقة للاقتصاد الغزي ومعطياته وعوامل قوته نجدها أنها لا تبعث على التفاؤل، بسبب عوامل كثيرة وكبيرة تؤثر في بقائه قوياً ، منها الانقسام الذي يجزء الاقتصاد و يضعف البنية الاقتصادية للدولة ,ولعل استمرار الحصار الإسرائيلي على القطاع وإغلاق الأنفاق المنتشرة على الحدود بين غزة ومصر والتي أصبح الوضع الاقتصادي في غزة بعدها مزري للغاية بالإضافة إلى منع إدخال مواد البناء والمواد الأساسية الاخري من منطلق "الحياة مقابل الأمن". وبالتالي الوضع الاقتصادي مستمر في الدخول في نفق مظلم وقد ينهار هذا النفق الاقتصادي علي كافة أفراد المجتمع مما سينعكس سياسياً. حيث اتضح ما يقارب من نصف مليون شخص فاقدين للدخل اليومي ولقد وصلت نسبة البطالة وفق جهاز الإحصاء الفلسطيني نحو 39 في المائة في قطاع غزة. وأن عدد العاطلين عن العمل في قطاع غزة ارتفع إلى حوالي 160 ألف شخص في الربع الرابع من 130 ألفا في الربع الثالث من العام الماضي وقد تصل البطالة إلى 45 % نهاية عام 2014 ولقد بلغت نسبة من يتقاضون أقل من الحد الأدنى للأجور 68.5%، أي 59.8 ألف عامل بمعدل أجر شهري قدره 779 شيكلاً، ويتواجد العدد الأكبر لهؤلاء المستخدمين بأجر في محافظات شمال قطاع غزة حيث بلغ عددهم 33.9 ألف عامل بأجر وبمعدل أجر شهري قدره 787 شيكل، تليها محافظات وسط قطاع غزة حيث بلغ عددهم 18.4 ألف عامل بمعدل أجر شهري قدره 790 شيكل. فالوضع كارثي إذا استمر على ما هو عليه الآن.
ومن المعلوم للجميع ان الاقتصاد الفلسطيني خاضع للسيطرة الإسرائيلية أي(نظام اقتصادي تابع ) حيث أن الاحتلال يتحكم بكافة المعابر بقطاع غزة كذلك الضرائب وجبايتها والتي تعتبرها إسرائيل مسألة سياسية للضغط علي المفاوض الفلسطيني, ورغم أن الانفاق أحدثت مايسمي انفتاح في سوق العمل بغزة فكانت تشغل ما يقرب عن 15 ألف عامل وتهريب بعض السلع الأساسية التي تسد حاجة المستهلك ألا أن ضرر الانفاق كان جسيماً علي الوضع الاقتصادي العام وبروز طبقة اجتماعية عليا علي حساب الطبقات الاجتماعية الأخرى حيث برز 700 مليونير من تجارة الأنفاق مما انعكس علي التميز الاجتماعي واتساع الفجوة الاجتماعية وازدياد حالة الضغينة والحقد في المجتمع الغزي وعدم وجود عدالة اجتماعية بين أفراد المجتمع وكما ان الأنفاق لم تحل مشكلة الاقتصاد ،بل بالعكس ساهمت بشكل كبير في استنزاف الاقتصاد الغزي, بالإضافة إلي إسقاط المسؤولية القانونية عن إسرائيل أمام المجتمع الدولي لأنها تمارس الحصار المفروض عن الشعب الفلسطيني ولان إسرائيل تغلق كافة معابر غزة التجارية باستثناء معبر واحد هو(معبر كرم أبوسالم) بشكل استثنائي ولا تسمح من خلاله بمرور كافة المستلزمات وإنما بعض السلع الأساسية وتمنع المواد الخام ومواد البناء وتعمل بقوائم السلع الممنوعة إلى جانب منع التصدير تسبب بتوقف 80% من مصانع غزة بشكل كلي أو جزئي، كما أن المواد الخام الممنوعة يتم اختيارها بعناية بما يضمن توقف العجلة الاقتصادية, وأن آلاف العمال والمهندسين والقطاعات الإنشائية تعطلت مما رفع نسب البطالة والفقر، بالإضافة إلي استمرار مشاكل المياه والكهرباء والوقود والصرف الصحي، حيث أصبح الوضع الإنساني كارثي وأن مليون مواطن أصبحوا يعتمدوا على المساعدات الدولية ،إضافة إلى أن معدل دخل الفرد اليومي انخفض كثيرا ليصل إلى اقل من 2 دولار,وبالتالي زادت مسؤوليات المجتمع الدولي والسلطة الفلسطينية للمحاولة في سد احتياجات المعوزين من المجتمع حتى لا ينهار المجتمع كلياً و تسود الجريمة و ترتفع نسبة التنافر الاجتماعي . وهذا فرض علينا فلسطينيا الإسراع في إنهاء حالة الانقسام ووضع إستراتيجية اقتصادية فعالة للنهوض بوضع الاقتصاد الفلسطيني لان من يحاصر غزة إسرائيل وليس أي دولة أخري.
د.هشام صدقي ابويونس
كاتب ومحلل في الاقتصاد السياسي
عضو الامانة العامة لشبكة كتاب الرأي العرب