أول انتقاد سمعته من رجال غزة انصب على أعضاء المجلس الثوري الذي ذابوا عشقاً في عباس، وسكتوا تأدباً أثناء حديثه، ويتساءل رجال غزة: أي مجلس ثوري هذا الذي يتقن فن التصفيق؟ وإذا كانت تسمية "المجلس الثوري" مشتقة من ثورة، فعن أي ثورة يتحدثون؟ وأين هي الثورة التي تحتاج إلى مجلس ثوري، طالما كان منهاج محمود عباس هو المفاوضات؟ لماذا لا يستبدل الاسم المجلس الثوري فيصير المجلس التفاوضي؛ لينسجم مع الحالة السائدة.
الانتقاد الثاني الذي تمضمض فيه الناس في قطاع غزة، وبصقوا من أفواههم لشدة مرارته، ووقعه السلبي على قضيتهم السياسية، كان الاتهام بالخيانة العظمي الذي وجهها محمود عباس لصديقه ورفيق دربه محمد دحلان، فكيف يتهم الثاني بالقتل، والفساد، ويتهم بالتجسس والخيانة لصالح إسرائيل في الوقت الذي يكون فيه الأول بريئاً وطاهراً ونقياً؟ ومتى تفوق الطالب على أستاذه؟ ولاسيما أن السنوات التي يتحدث عنها عباس، ويتهم فيها دحلان قد شهدت عناقاً بين أهداف الرجلين، وتواصلاً داخليا وخارجياً في انتظار التصفيات النهائية، ودفن ياسر عرفات؟ وأين هي فلسطين من هذا الصراع؟ وما مصير الدم الذي سال من أجل فلسطين؟
أما الانتقاد الثالث فهو مأخوذ من كلام محمود عباس الذي قال فيه:
1- قال المحققون: يجب أن يطرد دحلان، ولكنني رفضت، وبعثت له رسالة مع ياسر عبد ربه، وطلبت منه أن يستقيل، لأنه هنالك قرار بطردك، واستجاب دحلان وقدم استقالته.
وهنا نعود بالسؤال إلى عباس: لماذا رفضت قرار طرد دحلان؟ هل أشفقت عليه أم خفت منه؟ وماذا انتظرت من دحلان مقابل معروفك معه؟ ثم؛ لو سكت دحلان، وأغمض فمه، والتزم بالاستقالة، هل كنت ستفضحه بهذه الشكل؟ أم كنت ستغطي على كل أفعاله التي ترى اليوم أنها جرائم؟ إذن؛ كيف نصدق أن ما بينكما اختلاف على مصالح الوطن، وأنت تشن هجوماً استباقياً، وكأنك تخشى من شيء يعرفه دحلان، وتحاول أن تخفيه.
2ـ يقول عباس: انطخ هشام مكي لأنه طويل لسان، وكان يردد، ويقول: الثالوث الجواسيس (محمد دحلان ومحمد رشيد وحسن عصفور).
طالما كنت تعرف أن الذي طخ هشام مكي قبل أكثر من عشر سنوات هم ثالوث الجواسيس، فلماذا سكت على الباطل سنين طويلة؟ بل لماذا كلفت محمد دحلان بأن يصير وزيراً للشئون المدنية، ثم مستشاراً للأمن القومي، طالما كنت تعرف أنه مجرم وقاتل؟ ولماذا كلفت حسن عصفور بوزارة شئون المنظمات الأهلية، ومن قبل وزارة شئون المفاوضات؟
4ـ يقول عباس: ستة رجال قتلوا بأوامر من دحلان، أولهم كان الدكتور محمد شعبان الذي قتل قبل أكثر من عشرين عاماً! فأي سلطة هذه التي يترقى فيها قاتل إلى درجة المسئول الأول عن جهاز الأمن الوقائي، ثم يترقى حتى يصير وزيراً للأمن الداخلي؟ ثم يترقى بعد التحقيق معه فيصير عضو اللجنة المركزية لحركة فتح؟.
5ـ يقول عباس عن مفاوضات كامب ديفيد: كان الأمريكيون والإسرائيليين يأتون بالأفكار، وكان دحلان وإسلام وعصفور، يقنعون أبو عمار بالليل: إن لم نقبل بما عرض علينا سنخسر. وحين سئلت عما يجري في كامب ديفيد سنة 2000 أجبت: إنهم يصفون القضية الفلسطينية
يا سيد عباس، يا أيها الوطني، طالما كنت تعرف أنهم عملاء لإسرائيل وأمريكا، فلماذا أصدرت المرسوم الرئاسي رقم "6" لسنة 2005 والقاضي بتشكيل لجنة المفاوضات التي ضمت كلاً من محمد دحلان وحسن عصفور؟ لماذا لم تبعدهم عن دائرة المفاوضات؟
ويبقى السؤال الأهم: عن التوقيت الذي اختاره محمود عباس لفضح زملائه في القيادة؟
أولاً: يريد عباس أن يشغل الناس بقضية دحلان، كي يغطي على فشله السياسي، وكي يبعد أنظار الناس عن اتفاقية الاطار التي يجري إعدادها، وكي يظهر نفسه بطلاً وسط الجبناء، ووطنياً وسط العملاء، وأنه من الأولياء الصالحين الذي لم يفرط بالقدس وبحقوق اللاجئين.
ثانياً: يريد عباس أن يوجه ضربة لحركة حماس بالقفز على ظهر دحلان، واتهامه بالتعاون مع اليهود لتصفية القائد الشهيد صلاح شحادة، ولكن عباس مرر كلاماً خطيراً جداً، حين قال: حماس ترفض المصالحة، فماذا نعمل؟ وكررها عباس، وقال: أطرح عليكم السؤال: حماس ترفض المصالحة، فماذا نعمل؟ ولا أطلب منكم جواباً الآن، انتظر منكم الجواب لاحقاً.
وهنا مكمن الخطر؛ فماذا يرتب عباس لقطاع غزة، ولحركات المقاومة بعد التوقيع على اتفاقية الإطار، أو بعد تمديد زمن المفاوضات؟
رحم الله الشيخ عبد الرازق زلوم حين قال قبل أربعين سنة:
أراد أحدهم أن يعاير صديقه بفجور أمه، فقال له: أمي شافت أمك في الكرخانة!!!
فرد صديقه مبتسماً، وقال: هذا صحيح، لقد كانت أمي تتأوه في الكرخانة، ولكن ماذا كانت تفعل أمك هنالك؟ هل كانت تستغفر الله؟ أم كانت تصلي التراويح؟