11 عامًا على مقتل المتضامنة الأمريكية "ريتشل كوري" والجلاد لم يُحاكم!

مرت 11 عامًا على مقتل الناشطة الأمريكية "ريتشل كوري" دهسًا تحت مِخلب حرافة عسكرية إسرائيلية "كف جرافة"، عندما وقفت بجسدها تصد عملية هدم منازل مدنية لفلسطينيين على الشريط الحدودي بمحافظة رفح جنوب قطاع غزة عام 2003م، ولم تنجح المحاكم بمحاكمة الجلاد.

وريتشيل كوري (Rachel Corrie) فتاة أمريكية مسيحية قتلت بتاريخ الثالث عشر من مارس عام 2003م، وعضوة في حركة التضامن العالمية (ISM)، وسافرت لقطاع غزه بفلسطين المحتلة أثناء الانتفاضة (انتفاضة الأقصى).

وقتلت بطريقة وحشية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي عند محاولتها إيقاف جرافة عسكرية تابعة للقوات الإسرائيلية كانت تقوم بهدم مباني مدنية لفلسطينيين في رفح، وأكد شهود عيان للواقعة أن "ريتشيل" قتلت عمدًا ومرو على جسدها بالجرافة مرتين أثناء محاولتها إيقافها قبل أن يقوموا بهدم منزل لمدنيين.

وادعى الجيش الإسرائيلي أن سائق الجرافة لم يستطع رؤية الناشطة المقتولة، فيما برأة محكمة إسرائيلية الجندي المرتكب للجريمة في الثامن والعشرين من أغسطس عام 2012م، وذكر قاضي المحكمة أن إسرائيل ليست مسئولة عن أي أضرار ناجمة لأنها وقعت أثناء ما سماه (زمن الحرب).

ذكراها حية

وعلى الرغم من مرور أكثر من عقد من الزمن على مقتل "كوري"، لم ينسِ سكان المنطقة الحدودية برفح تضحياتها ووقوفها بجوارهم بأحلك الظروف، خاصة ممن كانت تعيش في داخل بيوتهم، الملاصقة تمامًا للشريط الحدودي.

"المسن عبد السلام الشاعر" واحدًا ممن عاشت بداخل منزله "ريتشل" وزملائها، ويقول لـ مراسل "وكالة قدس نت للأنباء": "عاشت بمنزلنا الذي لا يبعد 200 متر عن الشريط الحدودي مع مصر، نحو شهرين ويزيد، وكانت تنام داخل منزلنا، ونوفر لها ولزملائها الطعام والشراب وكل ما يلزمهم".

ويلفت الشاعر إلى أنها أصبحت جزءًا منا، وتنزل وتخرج باستمرار من المنزل، وتصد أي محاولة لهدمه، وتقف بوجه الجرافات، وتوثق كل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحقنا، من إطلاق نار، وقصف بري وجوي، وتجريف للأراضي والمنازل.

ويضيف "كانت إنسانة بمعنى الكلمة، فلم نشعر يومًا بأنها غير مسلمة، فكانت تحترم الصغير والكبير، ونشعر أنها قادمة لمساعدتنا حقًا، والدفاع عن قضايانا، في حين لم يقف بجوارنا أي رئيس ولا مسئول عربي، عندما كانت تهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها".

ويتابع الشاعر "حتى أنها كانت تعلم أولادي اللغة الإنجليزية، واعترفت لنا بأنها أتت وليس في جيبها سوى نقود القدوم والعودة لأمريكا، ونحن بدورنا لم نقصر معها بشيء، لأن شعرنا بصدقها وإخلاصها، التي تجسدت في الدفاع عنا".

قتلها عمدًا

ويشير إلى أنه في يوم السادس عشر من مارس عان 2003م، دخلت الجرافات الإسرائيلية لمنطقة حي السلام التي نعيش بها، بهدف تجريف منازل وأراضي، وعندما علمت "ريتشل" وكانت وقتها متواجدة بمكتب النشطاء الأجانب وسط رفح، وقدمت على الفور لمكان التجريف.

ويقول الشاعر : "أتت لي على المنزل، ومن ثم قالت بأنها ذاهبة للتصدي للجرافات وكان يرافقها عدد من النشطاء والصحفيين، وخرجت وحاولت منعها وقلت لها (تعالي إرجعي.. تعالي إرجعي)، لكنها رفضت وأصرت على المواصلة إلى أن وصلت للجرافة التي تهدم المنازل".

ويوضح إلى أنها وقفت بوجه الجرافات ومنعتها من التقدم نحو المنازل ونحن نرى ذلك بأعيننا، وتنادي عليهم بمكبر الصوت، لكن سائق الجرافة لم يتوقف، وواصل سيره نحوها، وقام بحملها بسكة الجرافة (الكف) ورفعه للأعلى واسقاطها على الأرض، ووضع السكة فوق رأسها ودفنها.

وينوه الشاعر إلى أن سائق الجرافة قتلها عمدًا دون أي سبب، وكان يراها أمامه، وكان بإمكانه أن يحملها ويلقي بها بمكان بعيد دون قتلها، لكنه تعمد قتلها، وبعدها أتت سيارات الاسعاف والمتضامنين على المنطقة، واستخرجوا جثتها ونقلوها لمستشفى الشهيد أبو يوسف النجار برفح".

الإعلان عن مقتلها

ويبين "هممت مسرعًا للمستشفى لكي أرها إن كانت حية أم قتلت بالفعل، لكن أخبروني بأنها ماتت، وكانت المستشفى مليئة بالأجانب والصحفيين، وسمحوا لي بالدخول بعدما أخبروا الأطباء أنني بمنزلة "والدها"، قمنا بفتح عزاء لها برفح، وإنشاء قبر يخلد ذكراها بمكان ما قتلت.

ويلفت الشاعر إلى أنه ومع مرور الوقت وعمليات القصف، تدمر القبر، لكن هذا لم يُنسينا إياها، وما قدمته لنا، حتى أن والديها زاروني بالبيت عدة مرات، كان أولها بعد استشهادها بنحو شهر، وشكروني للوقوف بجوار ابنتهم، واحتضانها ببيتي، وأخبرتهم بحيثيات مقتلها.

ويشير إلى أن أكثر ما يحزنهم هو رحيلها وعدم تقديم الجناة للمحاكم الدولية وتجريمهم على فعلتهم البشعة بحق هذه الإنسانة المناضلة التي دافعت بصدرها العاري وبكل بسالة عن سكان الحدود، داعيًا لمواصلة السير نحو محاكمة مرتكبي الجريمة.

ولا يختلف الحال بالنسبة لزوجة الشاعر، والتي هي الأخرى مازالت تستذكر اللحظات الجميلة التي عاشتها معها، على الرغم من سنها الكبير الذي يسير في العقد السادس من عمرها، وتقول : "كانت تشاركني بكثير من الأشياء بالبيت، وتعلم الأولاد، وكأنها ابنتي".

وتضيف "لم يكن لها ذنب اقترفته ليقتلوها، بل كانت مخلصة وخلوقة وأمينة، وتطمئننا عندما تنام الليل معنا ولا تتركنا، وتتجول بين منازلنا وتحاول منع هدمها من قبل الجرافات الإسرائيلية، حتى اعتدنا على وجودها معنا وعندما فارقتنا تألمنا كثيرًا".

المصدر: رفح – وكالة قدس نت للأنباء -