غزة لا تلينُ ولا تستكينُ

بقلم: محمد فايز الإفرنجي

منذ اللحظة الأولى التي تسلّمت فيها حماس حكومة السلطة، بُعيدَ انتخاباتٍ نزيهةٍ شرعيةٍ؛ يشهدُ العالم لها، بدأتْ فوراً من اللحظات الأولى الأحقاد التي تهدم الأمجاد! أحقادٌ مدفوعة الثمن، لإفشال أي حُكم إسلامي! الطريقةُ هنا والآلية تكونُ بقهرِ الفلسطيني، وتدمير أي مقدّرات وإنجازات ونجاحات!!

نحن ندرك كشعبٍ يعيش في أرض الرباط؛ أن طائفة الحق حتماً ستنتصر، وإنْ أبطأ قدومُ النصر والتمكين, ((لا تزال طائفة من أمتي يُقاتِلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة))؛صحيح، أخرجه مسلم.

إنّ زيفهم الذي ينتهجونه بإعلامهِم المسموم؛ الذي يتجاهل عقل الإنسان العربي والمسلم في كل مكان، نعلمُ أنّ هذا الزيف إلى مزبلة التاريخ، وما ضَرَّ السحابَ نبحُ الكلاب، وما ضرَّ البحرَ أنْ يُلقى فيه حجر! إنه غثاء السيل، إنه الزبَد الرابي،!! أمّا النجم فتراه على سطح الماء، لكنه في السماء رفيع، هذه هي حكومة المقاومة التي يتفننون في نعتِها بالضلال والإرهاب! في زمن أصبح فيه المقاوم للاحتلال، والمدافعُ عن الأرض والعِرض إرهابياً! فيحاصرونه، ويمنعون عنه الغذاء والدواء، بل الماء والكهرباء، ولو استطاعوا لمنعوا عنا الهواء.

تقلّبتْ الظروف السياسية في منطقتنا، والكلُّ أصبح للأعداء صديقاً! يتهافتون على إرضائه، بل ويتناوبون على أداء الحصار نيابةً عنه! إنه زمن التردّي والخذلان، زمن يتباهى به الأهل والخِلان بحجم عذاباتنا، وفنون قتلِنا !!

اليوم تجابِهُ حركة حماس، تلك الحركة المقاومة للاحتلال والعدوان، هي وأقرانها من الحركات التي لا تزال ترفع البندقية في وجه الأعداء، ولا تعترف بالاحتلال، ولا بدولته المزعومة, محاصَرون منذ سنوات ثمانية، بشعبها الذي يتنفس أمناً وحرية، بعكس ما يدّعي الإعلام المغرِض، فالإنسان لم يشعرْ بقيمته وحريته إلا قي عهد حماس؛ التي صانت الإنسان وقيمته، وحرّرت الأسرى في أشرف عملية تبادل مع الاحتلال؛ حينما أسرت جندياً يحشو مدفع دبابته لقتلِ أطفالنا, في وقت عزَّ فيه الرجالُ؛ وجدنا الرجالَ وهم يذودون عنا في الفرقانِ وحجارةِ السجّيل، حينما كانت صواريخُهم تصل تل أبيب المحتلة والقدس، وكلَّ مدُن الاحتلال حينما عجزتْ جيوش العالم عن الإشارة ببندقيةٍ عربية تُجاه الاحتلال؛ خوفا ممّا يترتّب على ذلك, بل عجزتْ أنظمتنا العربية عن الاستنكارِ والشجبِ والإدانة، فباتت أنظمة العرب كما النعامةِ التي دوما تدفن رأسها بالرمال!!

اليوم ازداد العداء فنعتوهم بالإرهاب! أغلقوا المعابر، ومنعوا الغذاء والدواء، بل منعوا قوافل التضامن والمساعدات, حظروها وادّعوا أنهم صنيعة للاحتلال، في وقت يطلق الاحتلال عليهم وعلى شعبهم صواريخَ الحقد والكراهية، لأنهم هم الذين لا يزالون يُصِرّون على انتزاع الحقِّ من بين أنيابِ الضلال والاحتلال, حاصَرونا وهدموا أنفاق الحياة، وادّعوا أننا سببٌ في فشل أمنهم، وأنّ حماس سببٌ في ما يحدُث لديهم من فوضى أمنية وتظاهرات!!

ادّعوا واتّهموا أننا بشؤونهم نتدخّل! وأنّ مقاومتنا للاحتلال ما عادت موجودةً، فنحن من نهادنُ المحتل، ويوم ينطلق صاروخٌ صُنع بأيدي المقاومين؛ يسارعون، ويتدخلون، ويطالبون بعودة التهدئةِ، وكأنّ الصاروخ أصاب مضاجعهم، قبل أنْ يصيبَ مدُن وقرى الاحتلال!!

تناسوا أنّ هناك شعبٌ قارب المليونينِ بعدَده محاصرون، وبغزة يُقتلون ويُذبحون بفعل الحصار! ومنعِ الجرحى والمرضى من العلاج ! تناسوا أنّ هناك أطفال رُضَّع؛ تحتاج لدواء منعوه عنهم؛ فماتوا قبل أنْ تشاهدَ عيونهم جمال الكون, حصارٌ مرير لشعب لا ذنبَ له؛ سِوى أنه ينتزع كرامته، ولا يريد سِوى العيش بعِزّةٍ وإباءٍ، أو الموت شامخاً وهو يدافع عن أرضه وعِرضه.

في وقت يفاوض الرئيس على الأرض، وتغادر القدس من خارطة السياسة والاقتصاد, في وقت تصبح " بيت جالا" عاصمة لفلسطين، تهلل أنظمتنا العربية لتباركَ وتساندَ خطة كيري التدميرية، كي تقدِّم للاحتلال هدية.

غريبة هي أنظمتنا التي ما كانت يوماً تُظهر علاقتها بالاحتلال، واليوم أصبحت تتباهى بتلك العلاقة، والتنسيق بينها وبين دولة المحتل!!

هم لا يدركون أنّ أهل غزة، وحركة المقاومة حماس، والجهاد والألوية، وكل الشرفاء؛ لا يخافون الموتَ، بل هو أسمى أمانيهم، حينما يكون في سبيل الله، تلك الثقافة التي لا يفهمونها، ولا يقدّرونها ،ولا يدركون أنَّ حصارهم لنا؛ لا يزيدنا إلاّ تمسُّكاً بالثوابتِ وبالعزةِ، وبمواقفنا التي ندرك من خلالها أننا أهل الحق وأصحابُه وهم أهل الباطلِ وجنودُه!!

ما عاد حصارُهم يخيفنا ،كما صواريخ المحتلِّ ما عادت ترعب حتى أطفالنا الذين أدمنوا صوت الصواريخ، ورؤية الأشلاء والدماء تتناثر حولهم, لكننا حتماً سيكون لصبرنا حدودٌ، فهذا شعبُ العِزّة والإباء، شعب الكرامة ومصنعِ الرجال، لا يوجد بيننا _كما لديهم_ أنصافُ رجال، بل أشباه رجال !!

إنّ غزة التي أوجعت المحتل؛ قادرة على الدفاع عن نفسها، وإيقاف كل اعتداء يسيء لها ولشعبها، فما على أصحاب نهج عدائنا سِوى التدبُّرِ بمواقِفنا التي لم نكن فيها يوماً نوجِّه عداءً ولا سلاحاً لأحد من أبناء عروبتنا, لكننا قادرون على تغيير مسار المعادلةِ، وخلط الأوراق في وجه الاحتلال، وإرباك كلِّ تلك الحسابات من جديد, كم نتمنى أنْ يلتقطوا رسائلنا ،حيث المقاومة الآن تشحنُ نفسها، وتشحذُ قواها من جديد، فكونوا للحقِّ ناصرين، وإنْ لم تستطيعوا؛ فلا تكونوا عن الباطل مدافعين، وللمحتل مسالمين، ولشعبِ غزة الكرامة محاصِرين، فكفى كفى لما تقومونَ به من عداءٍ! فالتاريخ لن يرحمَكم، وسيُسطِّر أوراقاً لا يمحوها الزمنُ، وسيبقى الجرحُ مفتوحاً، يؤلِم أكثرَ من جرحِ الأعداء.

يا أُمتنا وعزوَّتنا، يا عمقَنا؛ لا تتجاهلونا وأنتم تعلمون أننا بوّابتُكم الأخيرة، وحصنكم الأخير في حماية بلادِكم من كيدِ المحتلين الغاصبين، فلم تتوقّفْ يوماً أطماع بني صهيون عند فلسطين، فأطماعهم لا تزالُ منقوشةً على عملتهم النقدية، وحدودِ دولتهم، وحلمُهم من النيل إلى الفرات؛ لا يزال يشغلُ بالَهم، فلا نريد منكم أنْ تتوجّعوا، وتقولوا يوماً أُكِلنا يومَ أُكلتْ فلسطين، وضاعت بلادنا، يوم وقفنا متفرّجين، بل يومَ أنْ كنا للمقاومةِ محاصِرين، ولشعب فلسطين قاهرين, كفاكم أبناءَ عروبتنا! فقد فقدْنا منكم كلَّ رجاء، وما عاد فينا عليكم اعتماد، فقط اترُكونا نقاتل أعداءنا وأعداءكم نيابةً عنكم، اترُكونا ولا تزرعوا الأشواك في طريقِنا! في طريقِ المقاومةِ والجهاد!!