وماذا يفعل "أوباما" إن قال "نتنياهو" .."لا"

بقلم: غازي السعدي

الطبعة الأخيرة من الكذب والخداع الذي صدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، باتهامه للفلسطينيين أنهم يعطلون ويبعدون عملية السلام، وأنهم لا يريدون السلام، مع أن الفلسطينيين أكثر الساعين لتحقيقه، والمحتاجين إليه، وقدموا تنازلات كبيرة من أجله، لكنهم يرفضون السلام حسب المواقف الإسرائيلية، والدليل أن معظم قياداتهم ووزرائهم يصرون على ما يسمونه بـ "أرض إسرائيل التوراتية"، التي هي ملك للشعب اليهودي بلا منازع، ورفضهم الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وبقرارات الشرعية الدولية، وهذا يؤكد من هو الطرف الرافض لتحقيق السلام، حتى أن المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"، التي زارت إسرائيل مؤخراً، برفقة (15) وزيراً من حكومتها، قالت -حسب جريدة "هآرتس 25-2-2014"- أنها ضاقت ذرعا من أكاذيب نتنياهو ، فجريدة هارتس وصفت العلاقات الإسرائيلية-الألمانية، ليست خلافات بين أصدقاء، بل بحليب فاسد أفسد العلاقات بين البلدين، بعد أن ضاقت "ميركل" ذرعاً بالجدل والخصام مع "نتنياهو"، وضاقت من خداعه وأكاذيبه، وأدركت بأن هذا "التيس" لا يوجد فيه حليب ولا فائدة، فرفعت يداها -حسب جريدة "هآرتس"- و "نتنياهو" رفض طلب رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون"، الذي زار إسرائيل قبل أيام، بالتوقف عن البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، وإقامة الدولة الفلسطينية على أراضي عام 1967، وعاصمتها القدس، إلا أن "نتنياهو" تجاهل ذلك، وفشل في بيع بضاعته باتهامه الفلسطينيين أنهم يبعدون السلام.

إن وثيقة كيري التي كثر الحديث عنها، ستبقى دون إعلان، حتى يتوصل إلى اتفاق حول مضمونها مع الجانبين، فالولايات المتحدة جادة وتريد تحقيق إنجاز في عملية المفاوضات الجارية، في ظروف تراجع هيبة الولايات المتحدة عالمياً، فالمشهد الحالي بأن إسرائيل ترفض إزالة الاحتلال والانسحاب من الأراضي المحتلة، وإخلاء المستوطنات، وبالتأكيد هي لن تفي بأي تعهد من تعهداتها السابقة، وكذلك اللاحقة، حتى إذا افترضنا بقبول الجانب الفلسطيني عودة نحو (100) ألف لاجئ فلسطيني إلى داخل الخط الأخضر، ضمن عملية جمع شمل العائلات كما يشاع، وتجسيد حق العودة إلى الدولة الفلسطينية العتيدة، فأين سيتوطن هؤلاء العائدون، بعد سيطرة إسرائيل على أكثر من نصف أراضي الضفة الغربية؟ وحول موضوع تبادل الأراضي فإن هناك تراجعاً إسرائيلياً عن هذا التبادل مقابل بقاء وضم الكتل الاستيطانية لإسرائيل، وإذا قبلت فأين موقع هذه الأراضي؟ فهل سيستطيع "كيري" التوصل إلى وثيقة مقبولة من قبل الجانبين؟ في الوقت الذي يكرر "نتنياهو" اشتراطاته بأنه لن يكون هناك اتفاق سلام دون اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، وإلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، ودولة منزوعة السلاح، والقدس عاصمة إسرائيل الأزلية، وعدم العودة إلى حدود عام 1967، إضافة إلى سيطرتها على الأجواء، والحدود، وتواجد قواتها في الأغوار لسنوات طويلة، كذلك في كل مناطق الدولة الفلسطينية، أي مواصلة الاحتلال بأسلوب آخر، ودون تحديد جدول زمني لإنهائه، كما تصر على حق جيشها في مطاردة "المشتبه" بهم داخل أراضي الفلسطينيين، وإقامة محطات للإنذار المبكر، فهذا هو السلام الإسرائيلي.

الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، كان رده سريعاً على اشتراطات "نتنياهو"، بأنه لن يعترف بيهودية الدولة، ولن يتخلى عن حق العودة، وعن الثوابت الفلسطينية، وهناك عدة تحولات في المواقف الأميركية من موضوع يهودية الدولة، فموقع "ماكو الإلكتروني الإسرائيلي" نقل عن الناطقة بلسان الخارجية الأميركية بتاريخ "9-3-2014 " "جين ساكي" قولها: أن الفلسطينيين ليسوا ملزمين بالاستجابة لطلب اعترافهم بيهودية الدولة، وأن الموقف الأميركي واضح ينص على أن إسرائيل هي دولة يهودية، ولا حاجة لاعتراف الفلسطينيين بهذا الطلب، في إطار الاتفاقية الدائمة، ووزير الخارجية "جون كيري" يقول للإسرائيليين:"كفاكم حديثاً عن يهودية الدولة"، واعترف بأن عدم الثقة بين الفلسطينيين وإسرائيل، وصلت إلى أعلى نسبة رآها في أي وقت مضى، وكتب الوزير السابق اليساري "يوسي سريد"، "هآرتس 7-3-2014" واصفاً بيبي - "نتنياهو"- بأنه رافض للسلام وممثل وكاذب، فحين قال في خطابه أمام مؤتمر "آيباك" في الولايات المتحدة، أن "رقصة التانغو" تحتاج إلى اثنين، ولا ينفع راقص واحد، وأنه لا وجود لراقص فلسطيني، أي مفاوض فلسطيني، وهذا تهرب وخداع، فـ "نتنياهو" يضع العقبات والذرائع أمام الوصول لحل القضية الفلسطينية، ويريد فرض إيديولوجيته اليمينية لتعقيد الأمور، ومنع حتى التوصل لاتفاق إطار، في محاولة لإلغاء الكيانية الفلسطينية فلا يمكن إلغاء وجود الشعب الفلسطيني، وما المطلب الإسرائيلي اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، إلا محاولة لإلغاء الرواية الفلسطينية وتكريس الرواية الصهيونية، وتعريض مصير التواجد الفلسطيني في منطقة عام 1948- ونسبتهم تزيد عن 20% من مجموع عدد السكان- إلى المجهول، فنائب الوزير في ديوان رئيس الحكومة "أوفير كونس"، ليكود، اعتبر أن كل "أرض إسرائيل" –أي فلسطين الانتدابية- ملك لشعب إسرائيل، ولن تكون هناك دولة أخرى غربي نهر الأردن، سوى دولة واحدة هي دولة إسرائيل، ولن يتم إخلاء أية مستوطنة، وهذه نفس أقوال "نتنياهو" أثناء تواجده في لوس أنجلوس مؤخراً، ونائب وزير الجيش "داني دانون" يستغرب من الذين يتحدثون عن إقامة دولة فلسطينية، أو تقسيم القدس، أو فقدان السيطرة على غور الأردن، مؤكداً:" هذا لن يحدث أبداً"- "موقع إسرائيل باتريوت 11-3-2014"- وبعد كل هذه المواقف الرافضة للسلام وغيرها، يتهم "نتنياهو" الفلسطينيين أنهم ليسوا مع تحقيق السلام.

إن من يتابع الخطاب الذي ألقاه "نتنياهو"، في مؤتمر "الآيباك" في أميركا نهاية الشهر الماضي، لا يجد إشارة واحدة إلى استعداد حقيقي لطرح حل واقعي للمسيرة السياسية، وذريعة الاعتراف بيهودية الدولة، وما أكثر من ذرائعه، فإن الاعتراف من قبل الرئيس "محمود عباس" بإسرائيل، وسلفه، "أبو عمار"، هو نفس الاعتراف الذي حصلت عليه إسرائيل من قبل مصر والأردن، والذي اقترحته مبادرة السلام العربية، مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وعلى فرض قََبِلَ الفلسطينيون الاعتراف بيهودية الدولة، فهل سيكون "نتنياهو" مستعداً لإنهاء الاحتلال، وإخلاء المستوطنات؟ بالتأكيد سيضع عقبات جديدة، مما يدل على أن تصريحات "نتنياهو" عن السلام كاذبة.

يقول الصحفي "غدعون ليفي" في جريدة "هآرتس"، أن إسرائيل متعلقة بالولايات المتحدة أكثر من أي دولة أخرى في العالم، وأنه دون الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الأميركي، لما كانت إسرائيل تستطيع البقاء والوجود طيلة هذه المدة، هناك من يقول أن على الرئيس الأميركي، أن يفرض على إسرائيل إنهاء الاحتلال، وأن يسلك سلوكاً مختلفاً، والتوقف عن سياسة الاستجداء، ويكفي تملقاً لإسرائيل، لأنه لن يقنعها أصلاً بتغيير مواقفها، بل عليه أن يضع أمامها اختيار حاد، ما بين استمرار الاحتلال، أو استمرار الدعم الأميركي، مع وجود عقبات أمام "أوباما" لسلوك مسلك جديد، منها جماعة الضغط اليهودية، وجماعة ضغط منتجي السلاح، والكونغرس ومجلس الشيوخ، والحزب الجمهوري، و "الآيباك" واللوبيات وإلى إقناع الرأي العام الأميركي، لتغيير قواعد اللعبة ومحاباة لإسرائيل، ففي إسرائيل يعتقدون أن المخرج من المأزق بالتوصل إلى تسوية مرحلية، لأن التوصل إلى اتفاق دائم أصبح بعيداً، و"نتنياهو" يطمئن قيادات حزبه وقيادات اليمين المتطرف، أنه لن يوقع على اتفاق دون قبول الفلسطينيين بشروطه، ويطمئنهم بأن الفلسطينيين لن يقبلوا بهذه الشروط، وهذا ما يسعى إليه ليحملهم المسؤولية عن فشل المفاوضات، فمنذ زمن اختفى شعار ومطلب مؤتمر مدريد للسلام، إلا وهو الأرض مقابل السلام، وكانت إسرائيل تنادي به، حتى أصبحت تنادي اليوم بالسلام مقابل السلام، فماذا يستطيع زعيم الدولة الأعظم في العالم "أوباما" أن يفعل إذا قال له "نتنياهو" لا ؟.