ما أجرم القيادة الفلسطينية إذا لم يخرج كريم يونس من السجن نهاية هذا الشهر! وما أنكد حياة المفاوض الفلسطيني! وما أقذر سيرته إذا لم يتحرر كلٌ من ماهر يونس، ووليد دقة، وإبراهيم أبو مخ، ورشدي أبو مخ، وإبراهيم بيادسة، وأحمد جابر، وأمثالهم من أسرى فلسطين المغتصبة سنة 1948!، وكل أولئك الذين قد مضى على أسرهم أكثر من ثلاثين عاماً، وما زلت أذكر ملامح شبابهم الثائر الذي ذوي في سجن نفحة وعسقلان.
هؤلاء الأسرى الذين فتحت السلطة الفلسطينية شهيتهم للحرية نهاية هذا الشهر، ضمن الدفعة الرابعة للأسرى المحررين، هؤلاء الأسرى الذين يعد ذووهم الأيام بالثانية، ويحسبون الوقت المتبقي للقائهم برمش العين، هؤلاء الٍأسرى سيصابون بالموت المفاجئ، والكسر الغليظ فيما لو رفضت إسرائيل إطلاق سراحهم، أو اشترطت إطلاق سراحهم بالتقدم في المفاوضات، كما أعلنت عن ذلك اليهودية "تسفي لفني" مسئولة ملف المفاوضات.
لقد صرخ الأسير كريم يونس في سجنه قبل ثمانية أشهر، وناشد القيادة عبر بيان صدر من السجن بأن لا تلج المفاوضات دون تحرير الأسرى، ولاسيما أولئك الذين تخلت عنهم اتفاقية أوسلو، لقد حذر كريم يونس القيادة، واستصرخ فيهم وطنيتهم، ودق الباب على ضمائرهم، وشدد في بيانه على عهودهم بالوفاء للأسرى، ولكنهم تجاهلوا المناشدة، وتجاهلوا في الوقت نفسه مقالي المنشور في الصحف تحت عنوان: (الأسرى، ثم الأسرى، وسحقاً للمفاوضات)، والذي حذرت فيه القيادة من البدء في المفاوضات دون إطلاق سراح الأسرى، ونبهت إلى الشروط الإسرائيلية المعلنة على لسان القيادة الإسرائيلية، والتي أكدت أن إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين مشروط بتقدم المفاوضات!.
فأين كانت عقولكم؟ وأين كانت عيونكم في ذلك الوقت، لتدعون اليوم أن إسرائيل قد أخلت باتفاقية إطلاق سراح الأسرى؟ إن العدو الإسرائيلي لم يخل بالاتفاقية، بل أنتم من أخل بمشاعر الشعب الفلسطيني، وأنتم من ضحك على الناس، وأنتم من باع الوهم، لأنكم دخلتم المفاوضات دون قراءة الشروط الإسرائيلية، أو أنك قرأتم شروط إسرائيل وتجاهلتم، أو أنك دخلتم المفاوضات ضمن مغامرة لا تراعي مصالح المجتمع الفلسطيني، والذي يؤكد على ذلك شكوى محمود عباس قبل أيام لأوباما من مقتل 219 فلسطينياً منذ استئناف المفاوضات، وشكواه من هدم 230 بيتاً فلسطينياً، وشكواه من بناء 10559 وحدة استيطانية منذ استئناف المفاوضات، وكأن محمود عباس قد نسي أن إسرائيل تحتل الضفة الغربية، وتمارس فعل المحتلين، وكأن محمود عباس قد نسي أنه وافق على التفاوض دون شرط وقف التوسع الاستيطاني.
إن عدم إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى في نهاية الشهر هو جريمة بالغة الخطورة والتعقيد، إنها جريمة مركبة تستوجب إزالة الرؤوس عن الأعناق، ولا يكفي أن نزيل الكراسي من تحت المؤخرات، إنها الجريمة التي تفرض على الشعب الفلسطيني ثورة عارمة تقتلع أركان السلطة التي لا تحترم كلمة، ولا تف بوعد، ولا تقدر المشاعر الإنسانية، وهي تسخر من شعب بصقت في وجه عذاباته، ونهشت بأسنان المصالح المقيتة أحلامه وتطلعاته.
قبل ثلاثين عاماً، في 20/5/1985، نقل الأسير كريم يونس من سجن عسقلان إلى مطار اللد، وركب مع مئات الأسرى الطائرة في طريقه للحرية ضمن صفقة تبادل الأسرى، ولكن حيلة يهودية حالت دون تحرره، وكانت السبب في رجوعه للسجن، وفي سنة 1993، تجاهلت اتفاقية أوسلو الأسرى بمن فيهم كريم يونس، ورفضت إسرائيل إطلاق سراحه ضمن صفقات تبادل الأسرى اللاحقة، بما في ذلك صفقة وفاء الأحرار.
فلا تقتلوا كريم يونس مرتين أيتها القيادة الفلسطينية، لا تقتلوا الوفاء، لا تحرقوا الأمل، وأنتم أمام اختبار الوجود، فإما حرية كريم يونس وأمثاله، كما وعدتم، وتفاخرتم، وأقسمتم، وإما غروبكم وإلى الأبد عن واجهة القرار السياسي، ولتذهب سيرتكم والمفاوضات إلى الجحيم.