ما بعد القمة الفلسطينية الامريكية ما هو المطلوب

بقلم: عباس الجمعة

اللقاء بين الرئيس محمود عباس و الرئيس الأمريكي أوباما، في البيت الابيض كان صعب ، لان الادارة الامريكية امام الارباكات التي تعيشها في المنطقة تريد تمرير صفقة منها اطالة امد المفاوضات تحت زرائع عديدة ومحاولة تأجيل خطرة الاطار الذي يحملها كيري ، وهذه الادارة لا يمكن ان تكون مع الحق الفلسطيني ، بل هي منحازة بشكل سافر الى جانب كيان العدو الصهيوني .

في سياق محاولاته لتمرير مشروع اتفاق الإطار، الحلقة الجديدة من سلسلة المشاريع المتعاقبة التي طرحتها الإدارة الأمريكية على مدار عدة عقود، والتي تهدف بشكل أساسي الى محاولة تفكيك عناصر وركائز القضية الفلسطينية التي تطعن بوجود دولة الاحتلال الصهيوني الاستعماري.

أن ما جرى من لقاءات بين الرئيس محمود عباس واوباما وكيري هو مطالبة الرئيس محمود عباس المجازفة من أجل السلام، و دفع مسار السلام والمفاوضات اضافة الى الاعتراف بيهودية الدولة الاسرائيلية، واتباع طريقة تؤدي الى موافقة فلسطينية رسمية على شطب حق العودة ، والامتناع عن اتخاذ أية خطوات “أحادية” كالذهاب لاستكمال عضوية فلسطين في المؤسسات الدولية هذه عوامل الضغط الامريكي على القيادة الفلسطينية ، والهدف منها انتزاع الموافقة الفلسطينية على خطوات الإحتلال.

من هنا لا بد من التأكيد على اهمية الموقف الفلسطيني الذي تم تحصينه من الجماهير التي خرجت عقب زيارة الرئيس محمود عباس الى واشنطن ، وهو التمسك بالثوابت الفلسطينية بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية وحق العودة للاجئين الى ديارهم وورفض الاعتراف بيهودية الدولة رغم ضغط الثنائي الإسرائيلي الأمريكي إضافة للأوروبيين في حدود معينة

إن الادارة الامريكية وحكومة الاحتلال يحاولن إستثمار حالة الضعف الفلسطيني بتجلياته المختلفة، الإنقسام، تشتت المواقف، فقدان الوحدة، ثانيا: حالة التمزق العربي، وانكفاء العديد من أقطاره إلى أوضاعها الداخلية، حيث زرعت حالة الانقسامات الداخلية الدموية بفعل المخطط الخارجي بشكل أساسي، سيؤثر بشكل كبير على مستقبل القضية الفلسطينية التي ارتبطت تاريخيا بمحيطها العربي وبالهوية العربية باعتبارها هوية جامعة

على كل حال انتهت القمة وهي لا تسمن ولا تغني من جوع, ورغم حالة الملل والرتابة التي يشعر بها المواطن الفلسطيني تجاه ما جرى ويجري من استيطان وتهويد وموت بطيئ للاسرى في سجون الاحتلال , الا ان حالة من اللامبالاة عند العرب, لم ترتفع سقفهم درجة واحدة تجاه امال وطموحات شعوبهم فيما يخص القضية الفلسطينية, حتى التكتيك السياسي والمراوغة والخطاب الثوري التي كان يتمتع بها بعض الزعماء العرب من امثال جمال عبد الناصر, وصدام حسين وغيرهم, افتقدها الزعماء العرب, بعد ان انتهت حيلهم وانكشف خداعهم, وما عاد في جعبتهم شيء, الا لغة الاستسلام وما يسمونه بالواقعية والتوازن الاستراتيجي والتعايش السلمي.

القضية الفلسطينية تراجعت الى ادنى مستوياتها, اراد ان يتخلص البعض من عبء القضية من خلال ضغوطاتهم على السلطة الفلسطينية للاستمرار في التفاوض مع الاحتلال الى ما لا نهاية, وان على الشعب الفلسطيني ان يصبر ويحتسب حتى ينال بعضا من حقوقه التي كفلها له المجتمع الدولي, وان أي طريق اخر غير هذا الطريق لا يمكن قبوله ولن يتم التعامل معه, وان المبادرة العربية هي دستور الزعامات العربية الذي لا يمكن ان تحيد عنه, رغم ان اسرائيل رفضتها والقت بها في مزابل التاريخ منذ امد بعيد, لكن يبدو ان مزبلة التاريخ لها قيمتها عند زعاماتنا العربية.

اليوم كافة الفصائل والقوى اعلنت رفضها للعودة الى مسار التفاوض لانه يصب بشكل واضح في صالح حكومة الاحتلال , التي تسعى لتكريس واقع جديد على الأرض, وتحاول اعادة رسم حدودها, وتغيير ملامح الدولة والسعي لاعتراف اممي بيهوديتها, كل هذا لم يزعج الزعماء العرب, ولم يدفعهم الى رفع سقف مطالبهم ولو قليلا, وكأنهم يمنحون اسرائيل فرصة لتحقيق مأربها وفرض واقع جديد على الأرض يمكن قبوله عربيا, حتى قضية اللاجئين الفلسطينيين التي تمثل كابوسا للعرب, ويحاولون ايجاد حل لها ، هؤلاء العرب لم يخجلوا من تجاوز كل القيم من اجل عيون كيان يغتصب الارض والمقدسات .

الان هم يراهنون على عقد قمتهم المفلسة تماما, لأن انعقدها يثير سخط الناس ويدفعهم لليأس والملل من الواقع العربي الرسمي, لقد خرجت كل القمم العربية السابقة بقرارات دعم مادية للفلسطينيين, لكنها بقيت حبرا على ورق, ولم ينفذ منها شيء, لأن العرب فقدوا كل شعور بالمسؤولية تجاه القضية الفلسطينية, ليس هناك اية قرارات اجرائية تجاه القضية الفلسطينية, ففاقد الشيء لا يعطيه, والرسميون العرب فقدوا كل شيء ولم يعودوا يملكوا سوى التوسل والاستجداء الامريكي ، فهؤلاء لم يعلموا ان السياسة الأمريكية، بدعم من اللوبي الصهيوني-الاسرائيلي، سيضعهم، بعد كلّ هذا الدمار وتوظيف الأدوات، والاختبارات السياسيّة امام شعوبهم بعد ترحيبهم اولا بالغزو الأمريكي الوقح والكاذب للعراق، لتنظيف صورتها التي اتسخت بمقدار التضليل الذي مارسته، وتمارسه على شعوب العالم، والأهمّ على حلفائها الذين يدورون في ساقية ثورها كالنعاج التي لا تطولها إلا سياط الراعي، وهو يسوقها أمامه إلى المذبح السياسي ، ولكن ليعلموا جيدا ان الشعب الفلسطيني هذا الشعب العظيم لا يقبل اقل من حقوقه المشروعه .

ان ما تتعرض له القضية الفلسطينية تتطلب من جميع مكونات شعب فلسطين، وليس حركة فتح فقط ، لان المشروع الوطني وهو نقيض الاحتلال ونقيض المشروع الصهيوني ،وبالتالي هومشروع الكل الوطني، وا ن من لا يملك قرارا مستقلا لا يمكنه أن يؤسس أو يقود مشروعا وطنيا، لا يمكن لشعب تحت الاحتلال أن يواجه الاحتلال ومناوراته واعتداءاته إلا في إطار مشروع وطني تحرري يتوسل كل السبل لتحقيق أهدافه ،المقاومة حيث تكون ممكنة وبالشكل المناسب لظروف المرحلة،والمفاوضات والتسوية السلمية عندما تتوفر شروطها.

امام كل ذلك نرى ضرورة العمل على وحدة الموقف الفلسطيني الذي يجب ان يستند إلى مفاعيل القضية الوطنية ، بالتالي إلى صمود وتضحيات متواصلة تحت رايات منظمة التحرير الفلسطينية ، ووضع الخطط لمواجهة الثنائي البغيض الأمريكي الصهيوني .

ندرك تماما ان مقومات المعادلة بحاجة الى كل الوسائل واهمها تحقيق الوحدة الوطنية على أساس سياسي وطني وبلورة موقف واحد ،وتفعيل كافة اشكال المقاومة الشعبية ،والبدء بحوار وطني شامل يتجاوز الواقع الراهن، في ظل ظروف عربية ودولية سيئة جداً،

إن فلسطين جزء من العالم العربي، من حيث الجغرافية الطبيعية والبشرية، وما زالت فلسطين جزءاً من العالم العربي،وستظل كذلك، وسيظل تحريرها مهمة قومية عربية.

إن الحقوق المشروعه لشعب فلسطين على ارضه ووطنه، تتطلب اوراق القوة وابرزها الصمود وراء خط الدفاع الاخير من خلال رفض ما يُحاك في هذه المنطقة لتكريس "إسرائيل" دولةً يهوديةً، وضد "ما يسمى ربيع" التدمير الهادف إلى تفتيت المنطقة، فالشعب الفلسطيني الذي يعيش حالة التشرد وانعدام الأمن وفقدان الوطن منذ 66 عاما، قادر على الصمود، ولسنا نحن من يجب أن نتسرع من أجل الحل لأن التاريخ يسير في مصلحتنا فلماذا نستمر بالتنازل لهم ، فعلينا انتظار تغير جذري في الظروف العربية والفلسطينية.