في لقاء القمّة الذي جمع الرئيس الفلسطيني مع نظيره الأمريكي المعدّ مسبقاً قبل التطورات العاصفة التي اجتاحت شبه جزيرة القرم في أوكرانيا ، وأصبحت جزءا لايتجزأ من الإتحاد الروسي بعد تنظيم استفتاء عام لمواطنيها ، ماحوّل الأنظار بل الإهتمامات الدولية نحوها جاء اللقاء المنتظر في البيت الأبيض بروتوكولياً عادياً أكثر منه الخروج بنتائج ملموسة يمكن قراءته من خلال الوجوم المُرتسم على وجه الرجلين أمام عدسات الكاميرات المحيطة بهما كم كان صعباً وعسيراً ولم يخرج عن إطارالتوقعات المعهودة بممارسة الضغوط على الجانب الفلسطيني للقبول بالإشتراطات التعجيزية المتساوقة مع الرؤيا الإحتلالية للحل السياسي المفترض يضمن على الأقل تمديد المفاوضات مرة أخرى لمدة عام حسب الرغبات الإسرائيلية خاصة أن الإدارة الأمريكية تولدّت لديها قناعات بعدم جدوى تقديم خطـّة الإطار في المرحلة الراهنة خشية رفضها الأمر الذي يفقدها ميزة احتكار ملـّف عملية التسوية في ظل تراجع المكانة المتفردة التي كانت تحظى بها بتوجيه دفـّة السياسة الدولية ، وقطع الطريق أمام الجانب الفلسطيني بالتوجـّة إلى هيئة الأمم المتحدة والمؤسسات المنبثقة عنها ، وبالتالي تبحث استبدالها بصيغٍ أخرى يتيح لها المجال الإستمرار لأقصى درجة ممكنة بإدارة الأزمة عوضاً عن حلـّها وهو ماعبرّ عنه الرئيس الأميركي حين وصف المفاوضات بالصعبة والمعقدّة وطالب الرئيس الفلسطيني ضرورة "المجازفة من أجل عملية السلام " بينما دعا رئيس حكومة الإحتلال إلى اتخاذ قرارات صعبة .
المجازفة الأمريكية المرغوبة تعني بجلاء الإنتحار الذاتي الطوعي ثم الرضوخ والتخلي عن الحقوق التاريخية والوطنية للشعب الفلسطيني فضلاً عن الطعن بالرواية الفلسطينية أي تطبيق المعادلة المقلوبة عند تعلق الأمر بإسرائيل ، مقابل معازل وكانتونات مقطعـّة الأوصال تسمّى دولة فلسطينية لامقومات لها ، تعلم الإدارة الأمريكية فاقدة المصداقية تجاه قضايا الشعوب قبل غيرها استحالة وجود فلسطيني مؤهل كائناً من كان يستطيع الإقدام على تلبية مطالبها وكذا شريكتها الإستراتيجية ، وإلا فلماذا يـُطلب من الضحية المجازفة وهو لم يعد لديه شيئاً يمكن المجازفة به ، في حين يعلم القاصي والداني من هو الجلاد غير المعني بالتسوية العادلة الحريص على استدراج الجانب الفلسطيني من خلال تصعيد عدوانه لتحميله مسؤولية الفشل ، كما أكدته وقائع "نتنياهو" اثناء اجتماع نواب حزب الليكود ووزراءه مؤكداً لهم حسب صحيفة هأرتس "أن على اسرائيل التوجه الإيجابي في العملية السلمية خلال الأيام القادمة كي يفهم الرأي العام الدولي أن الفلسطينيين هم الذين يتحملون المسؤولية عن صد باب المفاوضات مضيفاً أن علينا الإستعداد للسلام مقابل رفضهم ، كما دعا الى غرس هذا الفهم في الرأي العام الدولي ، وطالب الوزراء واعضاء الكنيست الإمتناع عن إطلاق تصريحات في الموضوع الفلسطيني من شأنها حرف الضغط الدولي عن الفلسطينيين باتجاه إسرائيل " .
الدعوة التي اعقبت زيارة رئيس حكومة الإحتلال الذي ولج البيت الأبيض من بوابة مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية "الإيباك" والمستقوي بها لم تحقق أي اختراق للموقف الأمريكي المنحاز بالرغم من الرسائل الأمريكية الخجولة عشية وصول نتنياهو العاصمة الأمريكية عن عواقب الإستيطان الإستعماري الذي تنامت وتائره بنسبة مائة وثلاث وعشرين بالمائة عن العام السابق وفق ماأُعلن عنه رسمياً ، والخوف على عزلة اسرائيل الدولية في حالٍ عدم احراز تقدم في العملية السلمية كما وصفها الرئيس الأمريكي للصحافة الأمريكية وتناقلتها وسائل الإعلام الأخرى هذه التصريحات سرعان ماتبددّت أمام غطرسة نتنياهو وتبجحه بأنه لم يأتي إلى الولايات المتحدة من أجل تقديم تنازلات أو تغيير مواقف حكومته العنصرية المتطرفة أزاء المفاوضات الجارية الأن بين الإدارة الأمريكية وحكومته من جهه ، والفلسطينيين من جهةٍ ثانية لإنجاح اتفاق إطار غير ملزم للأطراف المتفاوضة يسعى إليه وزير الخارجية "جون كيري" قبل انتهاء المدّة المحددّة أواخر نيسان الشهر القادم ، في حين كررّ أوباما وهو يكظم الغيظ تجاه الصديق اللدود تعهدات إدارته بالحرص الشديد على أمن اسرائيل ومتانة العلاقة الثابتة كالصخر بينهما ، ماأدى إلى ترجمة هذه التفاهمات على أرض الواقع بتصعيد العدوان وقتل ستة مواطنين في الضفة وقطاع غزة المحاصر بينهم قاضي أردني ذو أصول فلسطينية بدمٍ بارد تمثـّل قمة الإستهتار والإمتهان بحياة الإنسان ولم تلقى صدىً في المحافل الدولية من أحد ، بينما توالت الإدانات من كل حدبٍ وصوب جراء إطلاق بعض الصواريخ التي جاءت ردّة فعلٍ على العدوان واستسهال الضغط على الزناد تجاه المواطنين العزل .
انتهت زيارات العلاقات العامة الفاشلة التي تحرص الإدارة الأمريكية على بقائها بما يمكـّن الإحتلال تنفيذ مخططاته الهادفة إلى قضم ماتبقى من الأرض الفلسطينية قطعةً تلوى أخرى دون وازع أو رادع كما تـُستباح المقدسات على أيدي المتطرفين الذين يقودهم وزراء الإئتلاف اليميني وأعضاء كنيست بحماية تامة من وحدات النخبة التابعة لجيش الإحتلال ويتمّ إصدار تشريعات عنصرية تـُرسّخ الإحتلال وتفرض سياسة الأمر الواقع في ظل انشطار الوعي الدولي وتوّحش المشهد بما يعيد إلى الذاكرة أيام الحرب الباردة التي انتهت بانهيار حلف وارسو مطلع تسعينات القرن الماضي ، وغياب كامل للأفعال العربية والإسلامية المؤثرة المنشغلة بالمتغيرات والتجاذبات الداخلية ، وبالتالي لا خيار أمام الفلسطينيين سوى استجماع قواهم والخروج من دائرة الحالة المربكة التي ترقص القوى المعادية طرباً على أنغامها وفي مقدمتهم الإحتلال الذي لم يكن بعيداً عما يجري باعتبار أنها المستفيدة الوحيدة من هذا المناخ المثالي بإبقاء الوضع على ماهو عليه لتنفيذ مأربها التوسعية إلى حالة النهوض القادرة على مواجهة التحديات والصعاب القادمة التي لايبدوا حتى الأن ظهور خطوات جادة تتناسب وحجم المخاطر المحيقة بالمشروع الوطني الفلسطيني استعداداً لليوم الذي يلي التاسع والعشرين من نيسان القادم ، ومع ذلك يبقى الشعب الفلسطيني سيد الإبداع عند شعوره بلحظة الخطر فهل سيكون الأداء الوطني بمستوى المهمات الجسام الملقاة على عاتقه ؟ سنرى إن غداً لناظره قريب .........
كاتب سياسي