يقول إِبْنُ خُلْدون: إن فن التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم والأجيال،...، إذ هو في ظاهره لا يزيد على إخبار عن الأيام والدول، ... وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومباديها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع أسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق.
يأتي التذكير بقول إِبْنُ خُلْدون، الذي أسس في القرن الرابع عشر الميلادي قواعد التأريخ باعتباره علم بحاجة إلى تمحيص وتدقيق بحيث لا يأخذ الامر دون نظر دقيق وتعليل، في سياق الاشتباك الاعلامي "الكلامي" الذي شهدته الساحة الفلسطينية من ردود فعل أثرت في مصداقية قيادة الشعب الفلسطيني، وعلى صورة الشعب، وأدخلته في نقاشات عقيمة تمثلت برد الاتهام باتهام.
وهنا لن دخل في سرد الاتهامات أو أحقيتها وصوابها ومدى خطورتها أو اتجاهاتها وردود الافعال المتوقعة وغير المتوقعة، أو معقولية أو عدم معقولية أسباب البث التلفزيوني لخطاب الرئيس أمام المجلس الثوري ولقاء النائب دحلان، فقد أصبحت المشكلة واقعة وفاقعة وناقعة لا تحتمل النبش أو الهبش أو اللبش.
كنت قد كتبت في مقال سابق تحت عنوان ""حِمارُ" خالد الحسن... والمواقع الالكترونية" أن الفلسطينيين، في العادة، يناقشون على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم أمور حياتهم ومشاغلهم؛ وطبعا السياسية والحكام جزء من هذا الّهم، ولهم من الألفاظ الشعبية ما يسعفهم في مدحهم وشتمهم، وفي رضاهم وعدمه وفي غضبهم وهدوئهم. هذا الاختلاف وهذه الروح هي فلسطينية بامتياز توارثوها جيلا بعد جيل، من العشائرية إلى الفصائلية، وعلقوا قصائد المديح والذم وفقا للاختلاف والخلاف وصلت أحيانا إلى حد التخوين والتلوين والسب والشتم.
هذا الامر يبقى معقولا وربما مقبولا في جلساتهم وخلواتهم دون استخدام وسائل الاعلام للفضح والردح والشتائم، أو ادخال أو اقحام أطراف غير فلسطينية بداعٍ أو بغير داعٍ، أو محاولة كتابة تاريخ مرحلة معاصرة حاضرة، يجهل الكثير خفاياها، دون إعمالٍ لقواعد إِبْنُ خُلْدون لتدقيقها وتعليلها.
واعتقد أن اسبوعا مليئا من الاتهامات المتبادلة يكفي الشعب الفلسطيني ما يتطلب التوقف عن استخدام وسائل الاعلام للدفاع أو اتهام الاخرين، والتوقف عن التصريحات من جميع الاتجاهات حفاظا على مصلحة الوطن والقضية وصورة الشعب الفلسطيني. وربما من المفيد مع الذكرى العشرين لاتفاقية أوسلوا ومرحلة المفاوضات وبناء الدولة السعي لكتابة التاريخ من شخوص أثروا في سيرته أو صناعته لكن وفقا لقواعد التأريخ بما فيها الخلدونية.