عيد الام يبقى وردة مشرقة..

بقلم: عباس الجمعة

لايمكننا ابدا ان ننسى دور الام في التضحية وما تقدمه من اجل ابنائها فهي المنبع الكبير للحنان و الحب ولا يمكن لاي عائلة ان تشعر بالامان بدون وجود الام التي هي دائما ما تكون الصدر الرحب و مخفف الصدمة لكل المشاكل و حافظة الاسرار لجميع الاسرة وتتحمل هموم الدنيا لكي ترعى ابنائها و تصارع كل مصاعب الحياة و تتحدى كل نزوات الرجل ومتطلباته ليكون البيت في جوء هادي لينعم الابناء بالطمأنينة والراحة .

مع تقدم الزمن تشعر الام بمدى ترابط علاقتها الروحية وحبها لابنائها وتشعر بكل ما يشعرون به قبل ان يحدث مما يجعلها بقلق كبير وطبعا هذا القلق مشروع من حق اي ام لانها غريزة الامومة ولكن هل يعي الابناء هذه المحبة وهذا الحرص عليهم .

الام التي عانت وضحت الكثير من اجل ابنائها فهي لازالت تقدم كل حياتها وما تملك لابنائها والامهات اللواتي تحملن فقد أغلى مافي حياتهن – بل كل حياتهن – وفلذة أكبادهن فمنهن من فقدت ابنها وهو يدافع عن أمن وطنه وكرامة قومه ويمنع يد الأرهاب أن تعبث بمستقبل الوطن ومنهن من فقدت ابنها وهو يثور ضد الظلم والفساد والطغيان ليؤمن لجيله وللاجيال اللاحقة مستقبل أفضل تملؤه نسمات الحرية وترفرف عليه روائح العزة والكرامة ومنهن من فقدت ابنها وهو يؤدي دوره الوطني من اجل وطنه.

فالأم الأسيرة تقبع في سجون الاحتلال وحيدة في عالم موحش يحكمه الجلادون تعانى أقسى أنواع الحياة، ومحرومة من ابسط الحقوق. فهي تعيش مرارة السجن المليئة بالمضايقات والاسى.

فتحية إلى أمي فلسطين وتحية إلى الأم الفلسطينية صانعة الرجال وهي ترسم البسمة على شفاه أفراد أسرتها جميعا، وتأبى إلا أن ترسمها على شفاه وطنها الجريح، الذي ينزف وجعا من الحصار الإسرائيلي المشدد على قطاع غزة، والقتل والقصف البري والبحري والجوي بشتى أنواعه والدمار والتجريف لبيوت المواطنين واراضيهم الزراعية ومؤسساتهم المدنية وسياسة الإذلال والإهانة التي تلحق بأمهاتنا على الحواجز العسكرية،حيث التفتيشات المذلة والمهينة والتي تنتهك الخصوصية والكرامة، من تفتيش عاري وضربهن، الإستيطان والجدار العنصري ومشاريع التهويد في الضفة الفلسطينية والقدس المحتلة .

امهاتنا بنات فلسطين وحارسات حلمها،فعلينا ان نجلهن ونحترمهن،وأن نقيم لهن التماثيل وأقواس النصر،وان نصونهن أيضاً بحدقات عيوننا،فهن من نعتز ونفخر بهن دائماً،فهن صانعات الرجال والأبطال،رجال فلسطين وحماتها،منهم الشهيد ومنهم من ينتظر،ومنهم الأسيروالجريح،ومنهم المناضل والعامل والفلاح والمثقف والمتعلم والقائد الوطني والسياسي وغيرهم،هؤلاء هم رجال فلسطين الذين انجبتهم امهاتنا، من انجبت الام العربية ،فمثل هؤلاء الأمهات،من يستحقن النياشين والأوسمة عن جدارة وإستحقاق،والأم التي كرمتها الأديان السماوية وقدمها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في الرعاية والتكريم والمحبة على الرجل ،أن ننحني لها إجلالاً واحتراماً وتقدرياً ومحبة.

وتحية خاصة للأم الإعلامية التي سطرت وما زالت تسطر أروع عبارات الصمود وهي تتنقل بين الدمار وتحت أزيز الطائرات، تنبض قلوبها بل ترتجف خوفا على فلذات أكبادها، تقهر الرجفة بالتقدم إلى الأمام ومواجهة الأخطار بقلب ثابت وضمير يقظ وعقل متفتح.

الامهات قدمن كل شيء للوطن، يمسحن اليوم دموعهن، وتحملهن الذكرى إلى أولئك الرجال الذين غيبتهم الشهادة، أو ظلم السجان، أو أصابت قلوبهن حسرة الإعاقة لأحد أولادهن أو لأكثر من واحد، لقب كان اصغر من أن يتسع لتلك التضحيات، لقب اصغر من تلك الدماء التي نزفت واقصر من تلك الليالي الطويلة خلف القضبان، واقل من ارتفاع ذلك السرير في إحدى المشافي، فلسطينيات كن اكبر من تلك الألقاب ، تلفتن حولهن فلم يشاهدن أولادهن ، تأملن في واقعهن فأعيت قلوبهن الذكرى.

ان دمعة الأم التي تشتكي فيها إلى ابنها بجروح القلب المثقل بالوجع والأنين بطول الفراق وفقدان الأحبة، بالصبر الذي رسم على صفحات وجهها الثمانيني حكايات وحكايات عاشتها منذ صباها مع الاحتلال، فكانت حرة وبقيت حرة وأنجبت احرارا هي أم الشهداء كل الشهداء.

رغم كل ذلك من حق امنا الفلسطينية،أن تفرح وان تحتفل بعيد الأم،فهي الأحق بهذا الإحتفال،فهي من يدفع الثمن أضعاف اضعاف،ما تدفعه اي ام اخرى في العالم،فتكريم الأمهات الفلسطينيات واجب وحق علينا،كما هو واجب وحق علينا تكريم شهدائنا واسرانا ومناضلينا وعائلاتهم.

اليوم لا أريدك أماً كباقي الأمهات، فأنت من علمتنا أن أولى صرخات الثورة تولد من رحمك أنت، أيتها الفلسطينية .. أيتها الام العربية التي علمتي ابنائك ان يكونوا مناضلين .

الام هي العزّةُ للوطن والفخر للأمّة والتّاج على الرّؤوس، وألف ألف كلمة شكر لامهاتنا لا تفيهنّ حقهنّ في عيد الام، لا بد من الاضاءة على دورها وأثره في المجتمع الذي لا يصلح إلا بصلاحها، في عيد الام،فمثل هؤلاء النساء هن من يستحقين التكريم والأوسمة والنياشين.

لن احتفل بأمي الفلسطينية في يوم الأم، فهي لا تستحق يوماً للاحتفاء بها، لان الزمن يتوقف عند حجارة بيتها المهدم، متأملاً تعابير وجه، زادت تجاعيد الزمان جمال سمرته.

اليوم تستحق أمي الفلسطينية والعربية تحية، وانحنائنا إجلالاً لصمودها الصخري، فعيد تلك المرأة التي حملت بأحشائها نبياً طاهراً، ومن أحيى نبض عروقها مياه بحر ، هي ذاتها التي تلفحت بنسيمات وعبق وهواء فلسطين ولبنان وسوريا والعراق ومصر والاردن وتونس والبحرين وليبيا واليمن .

فألف تحية للمرأة الفلسطينية والعربية الصامدة، التي رغم تجرعها لكل أشكال وأنواع القهر والظلم، إلا أنها تصر أن تبقى وردة مشرقة متفتحة تأبى الذبول رغم الوجع والمشقة المتواصل عليها.