العنصرية أيديولوجية صهيونية

بقلم: غازي السعدي

لم تعد الحكومة الإسرائيلية تتحسس أو تخجل عند اتهامها بالعنصرية، كما أن شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي، الذي انحاز إلى اليمين المتطرف أخذ يتعايش مع هذه العنصرية التي تتعارض مع ديمقراطية إسرائيل المزعومة، فالديانة اليهودية، ومقولة شعب الله المختار، وما يتفرع عن هذه المقولة، هو قمة العنصرية، فاتهامات إسرائيل بالعنصرية تشجبها حتى الدول الأوروبية، التي كانت من أقوى أصدقاء وداعمي إسرائيل، والمدافعين عنها، حتى أصبحت إسرائيل غير مبالية بهذه الاتهامات من المجتمع الدولي، فقد انطلقت في هذه الأيام، فعاليات أسبوع "الأبرتهايد" في كافة المقاطعات والمدن والضواحي في جنوب إفريقيا، تنظمه أكثر من (157) فعالية وجهة رسمية وشبه رسمية، تضامناً مع الشعب الفلسطيني، وهذا الأسبوع السنوي العاشر الذي يجري تنظيمه في شهر آذار من كل عام في جنوب إفريقيا، لمكافحة العنصرية البغيضة، ودعم نضال الشعب الفلسطيني، وينادون بسقوط إسرائيل، انطلاقاً من بلد عانى طويلاً من الفصل العنصري، وهذا يدل على امتداد العلاقات الفلسطينية مع حركات التحرر في جنوب إفريقيا، منذ خمسينات القرن الماضي، والتي توجت بلقاء الرئيس الراحل "ياسر عرفات"، بقادة من حزب المؤتمر الوطني الإفريقي.

في تقرير لمقرر حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، "ريتشارد فولك" بتاريخ 20-2-2014" جاء بأن إسرائيل مدانة بالفصل العنصري، والتطهير العرقي، فاحتلالها طويل الأمد، وفرض نظام إداري احتلالي في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، بإصدارها القوانين الاستعمارية، لإطالة احتلالها، متهماً سياسة إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة بالتمييز العنصري، فهناك أكثر من (30) قانونياً عنصرياً شرعها الكنيست، تطال المواطنين العرب في إسرائيل، من حملة الجنسية الإسرائيلية، في الوقت الذي يعتبر فيه قادة الحركة الصهيونية، بأن الحركة الصهيونية هي حركة التحرر الوطني للشعب اليهودي، هذا التحرر المبني على العنصرية، والإدعاء بالديمقراطية، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، فقد أخطأت الأمم المتحدة، ومعظم دول العالم، بما فيها بعض الدول العربية، حين جرى التصويت في الأمم المتحدة، بإسقاط صفة العنصرية عن دولة إسرائيل، وكان لها ما أرادت.

"الحياة والبغض في إسرائيل الكبرى" هو عنوان كتاب للكاتب اليهودي الأميركي "ماكس بلومنتال" والذي تحدث عنه في نادي الصحافة بتل- أبيب، حيث قال أنه يكاد لا يجد في إسرائيل سياسياً واحداً يذكر، يدفع باتجاه السلام العادل الذي يستحقه الفلسطينيون، وأن الفلسطينيين يعانون بشكل مستمر ومزمن، من آلة القمع الوحشية الإسرائيلية-والقول للكاتب-فكتابه الذي أثار ضجة وردود فعل مختلفة في إسرائيل، اعتبر إدانة واضحة للعنصرية الإسرائيلية، على جميع المستويات ضد الفلسطينيين، فهذا الكاتب رغم كونه يهودياً، إلا أنه من الذين يدافعون عن حقوق المستضعفين، الذين يضيع صوتهم في غابة التشويش والتشويه الإسرائيلية، وأكدت دراسة إسرائيلية جديدة وفريدة من نوعها-حسب جريدة "هآرتس 18-2-2014"- أن وضع الفلسطينيين تحت الاحتلال يشبه وضع العبيد السود في أميركا في القرن التاسع عشر، وهذه الدراسة لعالمة الاجتماع الإسرائيلية "إيفا ايلوز"، جرى نشرها في ملحق "جريدة هآرتس" الأسبوعي، فهناك قلة من السياسيين والكتاب الإسرائيليين، يكشفون ويتصدون للاحتلال والعنصرية الإسرائيلية بينهم ابن الجنرال الإسرائيلي اليساري الراحل "ماتي بيلد" فالولد سار على طريق أبيه، شارك في ندوة برام الله، في مناقشته لكتابه "رحلة إسرائيلي في فلسطين"، فقال الابن "ميكو بيلد"، أنه لا جدوى من هذه المفاوضات التي لا تفيد الفلسطينيين، بل تعود عليهم بالمزيد من الخسائر، وعلى الإسرائيليين بالمزيد من المكاسب، إنه داعية للسلام العادل، ومؤيد لحل الدولة الواحدة ثنائية القومية، كما كان ينادي به والده، وأن ما يجري تدريسه للطلاب اليهود مسلسل من الأكاذيب، أدى إلى العنصرية والتطهير العرقي، وإلى المجازر والقتل الجماعي.

من الغرابة بمكان أن أكثر العنصريين الإسرائيليين بلا كوابح، هم اليهود الروس الذين هاجروا من بلاد ماركس ولينين وستالين، وأن موقفهم معادٍ للفلسطينيين بشكل قاطع، فقد وصف أحد المحللين السياسيين من الروس الإسرائيليين، بأن الكلاب والعرب سواسية، فهؤلاء المهاجرين معادون للعرب في أغلبيتهم فهم من ثقافة سياسية مغايرة، فقد أظهر استطلاع للرأي العام الإسرائيلي "17-3-2014" نشرته جريدة "إسرائيل اليوم" بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة العنصرية، أن 95% من المستطلعين، يرون أن دولتهم عنصرية، حتى أن عرب الداخل، يعانون من التمييز العنصري، وأن شعار الموت للعرب، هو الشعار السائد في أوساط اليمين الإسرائيلي، كما أظهر استطلاع آخر "راديو إسرائيل 17-3-2014"، أجري من قبل مؤسسة "تاج مهير"، أن إسرائيل لا تعمل من أجل محاربة العنصرية كما يجب، وقال مدير مدرسة بير طوفيا "آريه بارنيع"، أن الطلاب يحملون أفكاراً صدئة حول العرب عامة، وفي إسرائيل خاصة، متهماً وزارة التربية والتعليم بأنها لا تعمل، ولا تحارب الأفكار العنصرية التي أخذت تغزو بيوت الإسرائيليين، فالتسليم بكراهية العرب نظراً لكونهم عرباً، سيفضي في النهاية إلى عدم التمييز بين اليهودي وزميله حسب هذا المدير.

نائب الكنيست العربي "د. أحمد ألطيبي"، طرح على جدول أعمال الكنيست موضوع الفصل العنصري، ومظاهر العنصرية، وسرعان ما تحول النقاش إلى هجمة يمينية على "ألطيبي"، من قبل وزراء ونواب اليمين، بدلاً من مناقشة موضوعية للموضوع، لدرجة أن نائب الكنيست "شمعون احيون" تصدى لـ "ألطيبي" وطالب بعدم استعمال مصطلح "عنصرية" باعتبار أن ذلك يسيء إلى صورة إسرائيل، واستبدال هذا المصطلح بتسمية تمييز، وبدلاً من الدخول في مناقشة صلب الموضوع، يتقدم هذا النائب باقتراح بائس، وكأن المشكلة بالتسمية، وليس بالممارسة، وأكثر ما يثير الاستهجان، أن دولة إسرائيل كلها "سوبر لاند"كبير للعنصرية، ولا وجود لمكان فيها يخلو من التمييز العنصري، فــ" ألطيبي"-صاحب اللسان السليط- قال لرئيس الوزراء "نتنياهو"، في جلسة نقاش في الكنيست، تناقش مبادرة السلام العربية، "عليك الاختيار بين إقامة الدولة الفلسطينية، وبين زوال دولة إسرائيل"، وقال النائب العربي في الكنيست "جمال زحالقة"، في حوار مؤثر وعميق حول ذكرى النكبة، والبعد السياسي والتاريخي وما بينهما، "إن إسرائيل تحتلنا اليوم بالقوانين العنصرية، ورواية النكبة لم تكتمل بسبب الإجراءات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني"، حتى أن "أيهود باراك"، وزير الجيش السابق، اعترف في مقابلة مع صحيفة "معاريف 27-9-2012"، أنه دون تحقيق السلام مع الفلسطينيين، لا يمكن التصدي لحملة مقاطعة إسرائيل، وسحب الشرعية الدولية عنها، ويقول بأن إقامة دولة فلسطينية، لا يشكل تهديداً لإسرائيل، كما أن الصحفي "زئيف سملانسكي"، أكد في مقال له في جريدة "هآرتس 22-12-2013"، بأن ضم الأراضي الفلسطينية لإسرائيل، سيحولها إلى دولة "أبرتهايد" في مواجهته لوزير الاقتصاد "نفتالي بينت"، الذي قال بأن يهودا والسامرة-أي الضفة الغربية- لنا، لأن أبونا إبراهيم سار هنا وأنه يعيش اليوم فيها (400)ألف مستوطن.

إن التمييز العنصري الإسرائيلي واضح، ولا يحتاج إلى المزيد من الأدلة، إن العنصرية أيديولوجية صهيونية بامتياز، فقد استغلت الحركة الصهيونية جرائم النازية، وموضوع المحارق، لاستعطاف المجتمع الدولي لإقامة دولتهم في الأراضي الفلسطينية، جاء الزعيم الروحي للطائفة الليتوانية لليهود الحرديم ليعلن بأن الصهيونية استفزت "أدولف هتلر"، وربما لولا هذا الاستفزاز لما كانت المحرقة، ومن جهتنا نضيف، لما احتلت إسرائيل الأراضي الفلسطينية وأقامت دولة إسرائيل عليها.