لا يختلف اثنان حول نتائج مؤتمرالقمة العربي الخامس والعشرين الحالي إن كان يستطيع إيجاد الحلول الناجعة للتحديات الجسام التي تراكمت عبر عقود من الزمن ثم أُهملت عن سابق إصرار باستثناء التمنيات والمناشدات والبلاغة الخطابية المشوّهة في كثير من الأحيان ، واتفاق الإجماع الوحيد الذي يؤكد أن الخلافات العربية قد وصلت مرحلة الذروة ولا بد من تخطـّيها لأن مايجمع هذه الأمة أكثر مما يفرقها حسب الكلمات الإفتتاحية الظاهرة للمؤتمر ، خاصة أنه يأتي في مرحلة غاية في الدقـّة والصعوبات تجتاح العالم العربي أشـبه ماتكون بكرة الثلج المتدحرجة من أعالي القمم كلما هوت نحو القاع كلما كَبُر حجمها أخذةً في طريقها كل مايصادفها من عوائق وموانع هي في الأساس محصلة طبيعية لقلاع غير حصينة أوقادرة على صدّ الكوارث ، وبالتالي لا يجدي نفعاً محاولات وقف الانهيار بالطرق التقليدية المعتادة التي تخرج بها نهاية كل اجتماع بالرغم من الإشارة التي أومأ بها أمين عام الجامعة العربية في دعوته للخروج من الواقع الراهن لكنه لم يفصح عن ماهية السبل غير التقليدية التي تحدث عنها خلال تقريره الإفتتاحي ، حيث يُسدل الستار وتبقى قراراتها مجرد حبراً على ورق مكدّسة في أدراج مؤسسة الجامعة العربية تعيد انتاج نفسها عند كل مناسبة وتصبح من ذكريات الماضي .
ذلك مايمكن وصف "قمة التضامن من أجل مستقبل أفضل " المنعقد في قصر بيان بدولة الكويت الذي غاب عن حضوره ثلث الزعماء العرب ومنهم قادة الدول الخليجية باستثناء الدولة المنظمّة للمؤتمر، وأمير دولة قطرالذي كان يأمل بانتهاء الأزمة مع الدول الخليجية وفق مفهوم "بوس اللحى" وعفا الله عما مضى ، وحلّ المستوى الثاني أو من ينوب عنهم تجنباً لتفاقم الخلافات الخليجية أمام القمة كما غاب عنها الأمين العام للأمم المتحدة وفضـّل الذهاب إلى قمة لاهاي ذات الصلة بالأمن النووي مايشير إلى الأولويات الدولية التي لا تندرج القضايا العربية على سلم أولوياتها ، والحقيقة يجب أن تقال فإن العنوان الذي تم اختياره لهذه القمّة لايعبـّر بطبيعة الحال عن واقع الأمورعلى أرض الواقع المأزوم الذي يشعر به الإنسان العربي أكثر من أي وقت مضى بالتشاؤم وفقدان الأمل بالمستقبل بعد أن حاول رفع صوته بشكل سلمي بوجه الظلم والحرمان مطالبا بأبسط حقوقه التي تكفلها كافة القوانين والمواثيق والأعراف في الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية إسوة بباقي الأمم وكان مصيره بل مصير الأوطان في علم الغيب تتقاذفه الرياح العاتية من مكان إلى أخر ، وكأن قدر هذه الأمة مرهون بأهواء فئة من الحكام المستبدين الذين استباحوا مقدرات شعوبهم وصادروا أي إمكانية لتطور المجتمعات العربية كي تواكب متطلبات العصرالقائم على التنمية المستدامة وإيجاد الحلول اللازمة للمشاكل الإقتصادية والإجتماعية والبطالة المتفشية بالإستناد إلى العوامل الموضوعية والروابط المشتركة التي تجمع المنطقة العربية لكنّهم فضّلوا الإستقواء بالأجنبي بحثاً عن دور أكبر بكثير من حجوم البعض منهم في حين أن التكامل والتعاون ووحدة الهدف والمصير هي الطريق الأقصر لأن يكبر ويتميّز الجميع بما يحفظ لهم المكانة اللائقة بعيداً عن السياسات التبعية والإلحاقية .
بات من الواضح الهدف الذي تسعى اليه مؤسسة القمة العربية التي فقدت مبرر وجودها بعد أن غابت عن دائرة الفعل المؤثر تجاه العمل المشترك والأمن القومي العربي المهتـّز والمتداعي على طريق تفكك الدولة القومية وانتشار بؤرمسلحة جغرافية وطائفية داخلها شبه مستقلة ، كما أثبتت فشلها الذريع أزاء قضية العرب المركزية المتمثلة بالصراع العربي الصهيوني وكذا تدّني المكانة التي تستحقـّها على الخارطة الدولية ، لذا ينحصر جـُل سعيها الحفاظ على الشكل لا المضمون الذي ستخرج به ، فلا هي قادره على حل الخلافات العربية العربية أوالإقتراب من الملفات الساخنة على أقل تقدير، تلبيةًً لرغبات الأطراف المتنازعة ماجعلها تكتفي بتحييدها وترحيل قضاياها الجوهرية إلى نطاق ضيّق تحت شعار الحل في البيت الواحد ، أو دفعها نحوالهيئات الدولية التي تتحكم بها القوى الكبرى غير المعنية بقضايا الشعوب إلا من بوابة مصالحها الحيوية ومصالح الأقوياء لا العاجزين ، ولاهي تمثل أيضاً تطلعات شعوبها المشروعة بالتغيير والإصلاح المنشود فضلا عن تجاهل الدروس والعبر المستنبطة على مدى ثلاث سنوات خلت من الصراع الدامي التي ألت إليه الأمور وأضحت أكثر شراسة وتمسكاً بتقاليد الحكم بأي شكل حتى لو كان على كومة خراب وأنهرٍٍ من الدماء النازفة .
لقد تنامت الخلافات العربية العربية إلى الحد الذي لم يعد فيه الحديث ممكناً عن قواسم مصيرية مشتركة يجمعها ماأدى إلى تهميش دورها وتسليم أمرها للغير يقررمصيرها عن بعد ، وكانت فلسطين أول الضحايا على مذبح الإنقسام العربي وقرارات القمم المتعاقبة حول دعم وصمود القدس وصندوق الأقصى وتوفير شبكة الأمان في وجه العقوبات الإسرائيلية والسطو على أموال الشعب الفلسطيني ، قرارات متكررة منذ قمة سرت الليبية حتى يومنا هذا لم تفي بوعودها سوى بعض الدول في حين رصدت اسرائيل أكثر من سبع عشر ملياردولار لتهويد مدينة القدس وبناء الوحدات الإستيطانية في كافة أراضي الضفة الفلسطينية عدا الأموال الطائلة غير المرئية التي تحصل عليها الجمعيات الإستيطانية من المتبرعين الموالين لها في مختلف الدول ، ماجعلها فريسة سـهلة أمام الأطماع الإحتلالية من خلال العدوان ومصادرة الأراضي وتسريع وتائر البناء الإستعماري الإستيطاني وتهويد مدينة القدس واستباحة مقدساتها مقدمة لتقسيم المسجد الأقصى على غرار ماحدث للحرم الإبراهيمي الشريف .
اختتم القادة العرب مؤتمرهم بعد يوم واحد من الناحية العملية ، ثم إصدار اعلان الكويت في اليوم الثاني بدلا من البيان الختامي للقمّة وفق التقاليد المرعية ، مع العلم أن الإعلان يتناول موضوعاً محدداً أو ملحقأً للبيان الختامي حسب المفاهيم والأعراف الدبلوماسية وليس قضايا وقرارات متشعبة ، بعبارة أخرى صيغة أقل مستوىً من البيان الختامي المتكامل ، ولا يعلم أحداً لماذا تم استبدال هذه الصيغة والإكتفاء بالحد الأدنى هل هي استجابة للضغوط الأمريكية حسب ماقيل في أروقة المؤتمر كي يتجنب الإحراج أم أن في الأمر غاية أخرى ؟ أسئلة كثيرة وحيرة جديدة ستكشف عنها قادم الأيام ، الملاحظة الأخرى في إعلان الكويت الختامي لدى تناوله الموضوع الفلسطيني الذي حظي بالإجماع وصف الحالة الراهنة "بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي " وهي لغة مستحدثة تتجاوز الوصف المعهود للصراع العربي الإسرائيلي فهل هي إدارة الظهر للقضية الفلسطينية وتركهم وشأنهم وحيدين أمام العدوان والضغوطات الدولية ....
كاتب سياسي