"بابا.. بابا.. بابا.. إلحقنا.. إلحقنا.." كانت هذه أخر كلمات نطقت بهما الطفلتين "ملك فتحي شيخ العيد سنتين ونصف وشقيقتها غنى سنة ونصف"، قبل أن تصهر جسديهما النيران التي اشتعلت بفعل شمعة داخل غرفة نومهما.
كذلك الحال بالنسبة لشقيقاتها "ندى ست سنوات وشهد عشر سنوات" اللواتي اصبنا بجراحٍ بالغة الخطورة، بعد أن طالت النيران معظم أنحاء جسدهم وتسبب لهم بحروق من الدرجة الثانية والثالثة، وتحولت أجسادهم لمادة توقد لهيب النيران المستعرة.
وتسببت شمعة كانت موقدة داخل غرفة نوم أطفال المواطن فتحي شيخ العيد غرب محافظة رفح جنوب قطاع غزة الليلة الماضية، باشتعال النيران داخل المنزل بأكمله خاصة غرفة الأطفال، مما أدى لوفاة الطفلتين ملك وشقيقتها غنى، وإصابة شهد عشر سنوات وندى ست سنوات بجراح بالغة، ووالديهما بجراح طفيفة.
ويصف "محمد" الطفل الناجي ثماني سنوات لـ مراسل "وكالة قدس نت للأنباء" ما حدث معهم فيقول : "كنت نائم والشمعة مشتعلة فوق (علبة مفتاح المروحية)، وشقيقاتي نائمات بجواري في الناحية الأخرى من الغرفة".
ويشرح "محمد" وهو يشير بيده متحدثَا لمراسلنا داخل الغرفة المُحترقة حول تفاصيل ما حدث، فيوضح : "النيران أتت على فرشتي وأنا كنت نائم، بعدما (ساحت علبة المروحة) وطالت فرشتي، فقمت هاربًا نحو شقيقاتي، لكن لم أستطع فعل شيء".
ويضيف : "وقفنا هنا وشيقاتي يصرخن (بابا.. بابا.. بابا..)، فركضت مسرعًا للخروج من الغرفة بعد أن حاصرتنا النيران، فقفزت من فوقها، وخرجت لغرفة أمي وضربت بيدي على الباب، مناديًا أمي (إخواتي انحرقوا الغرفة ولعت)..".
ويلفت "محمد" صاحب الجسم النحيف والبُنية القصيرة إلى أن والدته خرجت مسرعة معه من الغرفة ولم يستطيعا البقاء طويلاً لأن النيران خرجت من الغرفة للصالون والمطبخ، والدخان ملأ أرجاء المنزل، فوقفا على شرفة الشقة وصعدنا قليلاً للدرج المؤدي للطابق الثاني.
ووقفت الأم تصرخ هي وطفلها فيما كان الأطفال داخل الغرفة ينادون"بابا.. بابا.. بابا.."، وسط صراخ وبكاء عالٍ، وما هي سوى دقائق حتى هرع رب الأسرة الذي كان متواجد أسفل المنزل برفقة أقربائه، وحاولوا الدخول للمنزل.
وحاول الوالد أن يرتدي قطعة قماش مبلولة بالماء "حرام" ويعبر وسط النيران ملبيًا نداء أطفاله وهم يصرخون عليه بالاستغاثة، فما كان منه سوى الدخول وسط النيران وسحب طفلته ندى وهي محترقة بالكامل لخارج الغرفة، ليتسلمها أحد أقربائه ويخرجها لخارج الشقة.
وفي هذه اللحظات وصلت طواقم الإسعاف والدفاع المدني، وتسلمت الطفلة المصابة ونقلها مسرعة للمستشفى بالمحافظة، لكن الوالد عاد مُجددًا ليدخل لغرفة أطفاله بعد أن "إغمى" عليه وفقد الوعي قليلاً، جراء استنشاق الدخان ومشاهدة أطفاله مُتفحمين.
وسارع أقربائه وطواقم الدفاع لحمله بعدما أصيب أيضًا بحروق طفيفة بشعره ووجه ويديه وأنحاء أخرى من جسده، ولحظة حمله سمع صوتًا يقول "البنات ماتو"، فلم يكنّ بمقدوره فعل أي شيء قبل أن يصل المستشفى، ويتلقى العلاج الأولى ويستفيق ويقف على قدميه، ويبدأ بتفقد أطفاله وما حل بهم.
ليجد فلذات كبده "ملك وغنى" متوفيات وأجسادهم متفحمة بالكامل في مشهدٍ مؤلم "كما يصف"، و"ندى ست سنوات وشهد عشر سنوات" محروقتين بجراح بالغة، وزوجته جارية بجراح طفيفة، ليُصاب بانهيار كامل ويقع على الأرض ويفقد أعصابه.
وعاد الوالد في الصباح الباكر لتفقد منزله بعد سمح له بالخروج من المستشفى، ورافقه مراسل وكالة "وكالة قدس نت للأنباء" داخل المنزل وأقربائه وطفله الناجي، ورصد المراسل دهشتهم جميعًا لما شاهدوه من دمار كبير وخراب بالمنزل خاصة غرفة الأطفال التي اكتساها سواد الدخان.
وأجهش الوالد باكيًا وهو يتفقد ما تبقى من ملابس أطفاله وفراشهم وأحلامهم التي صهرتها نيران شمعة الحصار التي لم تترك شيئًا إلا وأتت عليه، ليكتفي بالقول في رسالته الأخيرة : "حسبي الله ونعم الوكيل على كل شخص متسبب بأزمة الكهرباء ويحاصر غزة".
وتساءل الوالد المكلوم: "ما ذنب أطفالي يموتون وأنا أنظر إليهم؟!، تصهر أجسادهم وأن لا أقدر على فعل شيء!"، مناشدًا بالتدخل الفوري والعاجل من قبل كافة الجهات المسئولة بما فيها الحكومة والسلطة الوطنية الفلسطينية لوقف ما يحدث من قطاع غزة من كارثة، بسبب أزمة الكهرباء.
عدسة "وكالة قدس نت للأنباء":تصوير/عبد الرحيم الخطيب