من جديد , وعلى الرغم من اقترابها من الثمانين من عمرها , تؤكد المناضلة الجزائرية الكبيرة جميلة بوحيرد , أنها مناضلة حقيقية , وطنية وقومية , بعد أن حاول البعض استغلال تاريخا النضالي ورمزيتها , من خلال الزج باسمها في الرحلة النسائية التي أشرفت عليها تنسيقية ما تسمى ( الدعوات من اجل سلام عادل في الشرق الاوسط ) , للتنديد بالحصار المفروض على غزة , ومشاركة نساء غزة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس الجاري , حيث كان مقررا أن تتوجه نحو ثمانين ناشطة سياسية من الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وفرنسا وسويسرا والبلد العربي الوحيد الجزائر , وهن في معظمهن نساء فلسطينيات وعربيات يقمن في أوروبا , تشاركهن بعض الناشطات الأوروبيات , من خلال السفر إلى مصر , ثم التوجه إلى معبر رفح في محاولة لدخول غزة , غير أن السلطات المصرية التي تغلق المعبر لدواع أمنية بسب الأوضاع في صحراء سيناء , رفضت تنقل مجموعة الناشطات إلى معبر رفح , واحتجزت من وصلن في مطار القاهرة , وطلبت منهن مغادرة الأراضي المصرية , وكخطوة احتجاجية قامت الناشطات بحفلة غناء ورقص ودبكة ثم الاستلقاء على الأرض في صالة الوصول بالمطار، ممثلات دور أموات ولففن أجسادهن بعلم فلسطين، وأخذن في تصوير بعضهن البعض لنقل تلك الصور الى وسائل الاعلام , لمحاولة الإساءة إلى مصر بادعاء أنها تفرض الحصار على قطاع غزة , وتبرئة اسرائيل من هذا الحصار, وهنا يطرح السؤال لماذا لم يحضرن عن طريق مطار تل أبيب ومعبر " ايرز" لكسر الحصار الاسرائيلي عن غزة ؟!.
وبعد أن قامت تلك المجموعة من الناشطات بإثارة الشغب في مطار القاهرة , قررت السلطات المصرية ترحيلهن , بعد أن أعلنت أن معظمهن مدرجات على قوائم الممنوعين من دخول مصر. أما المناضلة جميلة بوحيرد التي لم تصل لمطار القاهرة قي وقته فقد قالت إنه تمت دعوتها للذهاب إلى غزة للتعبير عن تضامن الشعوب مع سكان غزة الذين يعانون بشدة من السياسية العنصرية الإسرائيلية , ولكنها عندما علمت أن الجمعية المنظمة للرحلة تنتمي لجهة سياسية تعتزم خلق مشاكل لمصر في حالة عدم السماح لهن بالمرور والاعتصام في أرض المطار قررت عدم الذهاب , وعادت من باريس إلى الجزائر. وقالت انها استشعرت رغبة في إثارة مشاكل مع مصر ، فقررت عدم الذهاب والعودة إلى الجزائر مؤكدة رفضها الإيقاع بين الشعبين المصري والجزائري لأنهما جسد واحد ويتشاركان في الأفراح والأحزان معربة عن أملها في النصر لمصر ولشعبها العظيم.
وفور عودتها للجزائر من فرنسا توجهت المناضلة جميلة بوحيرد إلى السفارة المصرية بالجزائر والتقت السفير المصري هناك , ونفت ما جاء على لسانها عبر وسائل الإعلام المختلفة بشأن منع السلطات المصرية لها من دخول مصر والتوجه لغزة , حيث رحب بها السفير لزيارة مصر في أي وقت باعتبارها رمزا من رموز النضال والتحرير التي تعتز بها الأمة العربية. وقد أشادت جميلة بوحيرد بالتسهيلات التي قدمتها السفارة المصرية بالجزائر بمنحها التأشيرة فورا , وقالت إنها ستزور مصر قريبا لزيارة قبر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي ساهم في تحرير الجزائر , وكذلك زيارة قبر الجندي المجهول وقبور الشهداء المصريين الذين شاركوا في حرب الجزائر وفلسطين من أجل التحرير والاستقلال.
ومن الواضح من بيان " التنسيقية " التي دعت لزيارة غزة , أن الدعوة تمت على اثر نداء وجهته هيئة نسائية من قطاع غزة , وهو ما يشير إلى جهة فلسطينية محددة , وأن الزيارة ستخدم أجندة فلسطينية محددة على الساحة الفلسطينية , في ظل الانقسام القائم بين قطاع غزة والضفة الغربية , وإلا لماذا لم تنظم فاعلية أخرى للتضامن مع المرأة الفلسطينية المحاصرة في القدس أو الضفة الغربية من قبل هذه التنسيقية والقادمات معها من أميركا وأوروبا.
وهنا لا بد من توجيه التحية للمناضلة جميلة بوحيرد التي تجسد القومية العربية حيث ولدت من أب جزائري مثقف وأم تونسية في مدينة قسنطينة بالشرق الجزائري عام 1935, وهي التي تكن لمصر كل التقدير , وقد كرمتها السينما المصرية بإنتاج فيلم باسمها في أوائل الستينات , والذي مثلت فيه الممثلة المصرية القديرة ماجدة صباحي دور المناضلة جميلة بوحيرد , حيث يجسد الفيلم ويعرض نضال جميلة وتضحياتها ضد الاستعمار الفرنسي لتحرير بلادها الجزائر , حيث كانت اليافعة ابنة العشرين تنقذ العمليات التي لا يقدر عليها الرجال إلى أن القي عليها القبض, وتعرضت للتعذيب الشديد , وبعد ثلاث سنوات من السجن حكم عليها بالإعدام , وتحدد يوم 7 مارس 1958 لتنفيذ الحكم، لكن العالم كله ثار واجتمعت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بعد أن تلقت الملايين من برقيات الاستنكار من كل أنحاء العالم. وتأجل تنفيذ الحكم، ثم عُدّل إلى السجن مدى الحياة، وبعد تحرير الجزائر عام 1962، خرجت جميلة بوحيرد من السجن لتشهد استقلال بلدها , وترى ثمرة نضالها, وقد تزوجت فيما بعد محاميها الفرنسي الجنسية جاك فرجيس , الذي كان يناضل في صفوف جبهة التحرير الوطني الجزائرية , وقد أسلم وأطلق على نفسه اسم منصور , تيمنا بالنصر والانتصار على الاستعمار.
وقد كتب الشاعر الكبير الراحل نزار قباني أجمل قصائده الوطنية في جميلة بوحيرد ومن أبياتها ما يلي :
جميلة بوحيرد .. امرأة في ضوء الصبح .. تسترجع في مثل البوح.
آيات مزقت الاوثان.. من سورة مريم والفتح.
اسم مكتوب باللهب .. مغموس في جرح السحب .. في ادب بلادي في ادبي.
العمر اثنان وعشرونا .. في الصدر استوطن زوج حمام .. والثغر الراقد غصن سلام.
امرأة من قسنطينة .. لم تعرف شفتاها الزينة.
لم تدخل حجرتها الاحلام .. لم تلعب ابدا كالأطفال .. لم تغرم في عقد أو شال.