الأسرى القدامى والمفاوضات ..

بقلم: عبد الناصر فروانة

مفترق صعب ينتظرنا، ويتطلب منا توحيد الجهود وإعادة النظر في أساليب عملنا وشكل آدائنا في تناول قضية الأسرى، ويحتاج لرسم معالم إستراتيجية وطنية، وآلية دولية جديدة يشارك في صياغتها الجميع وتتكامل الأدوار في ترجمتها.

ونحن إذ نعلن هنا ثقتنا العالية بما وعد به السيد الرئيس وإصراره على تحقيق وعده، ودعمنا لجهوده الحثيثة وموقفه المتمثل في رفض نقاش أي شيء قبل الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى، فإننا ندعو الكل الفلسطيني إلى دعم هذا الموقف والالتفاف حول الرئيس في معركته القادمة التي سيكون عنوانها وعنوان المرحلة القادمة حرية الأسرى وعودتهم إلى بيوتهم وأماكن سكناهم.

لقد آن الأوان لأن نغلق ملف الأسرى القدامى، لنفح معاً وسوياً ملفات أخرى ذات صلة بقضية الأسرى لا تقل ألماً ومرارة وأبرزها ملف الأسرى المرضى قبل أن يخطفهم الموت من بيننا وإلى الأبد.

لقد انقضت المدة المحددة وبات من المؤكد كما توقعنا ونشرنا على صفحتنا منذ فترة ليست بالقصيرة، بأن لا إفراجات للدفعة الرابعة في موعدها المقرر اليوم التاسع والعشرين من مارس/ آذار، وأن التأخير بات بالأمر المحتوم، مما خلق حالة من الاستياء والقلق بين أوساط الأسرى وذويهم، ولدى كافة أبناء شعبنا،.

هذا الإجراء ورغم صعوبته ومرارة تأثيراته سيكون بتقديري مقبولاً فلسطينياً إلى حد ما إن كان التأخير لفترة محدودة من الزمن، لكنه سيُجابه برد صارم رسمي وشعبي إذا كان للأمر علاقة بالتأجيل و الإلغاء، أو حتى التلاعب بقائمة أسماء الدفعة الرابعة وإبقاء بعض الأسرى القدامى في السجون.

لقد مرّ الأسرى فيما قبل أوسلو بتجربة صعبة ومريرة، ما بين القيود التي فرضتها حكومات إسرائيل حول إطلاق سراحهم، وما بين شروط سياسية وابتزاز تمارسه على القيادة الفلسطينية.

وفي مرات أخرى نكثت بالعهود وتهربت إسرائيل من التزاماتها، وتنصلت من تنفيذ ما اتفق عليه في إطار تفاهمات ثنائية أو اتفاقيات رسمية وبرعاية أمريكية ودولية.

والقارئ لمقالاتنا المنشورة على موقعنا "فلسطين خلف القضبان"، والمتتبع لتصريحاتنا على  صفحتنا عبر الفيسبوك، أو عبر وسائل الإعلام المختلفة، لا يحتاج إلى جهد كي يدرك موقفنا من التعامل مع قضية الأسرى، ومدى تضامننا معهم وانحيازنا للقدامى ودعمنا لحقهم بالحرية.

ولقد عبرنا في مناسبات كثيرة عن خشيتنا من استخدام إسرائيل لقضية الأسرى ورقة للمساومة والضغط تارة، و تجريدها من بعديها الوطني والسياسي، وتحويلها لقضية إنسانية تخضع لحسن النوايا الإسرائيلية تارة أخرى.

لكنها وللأسف نجحت مراراً في تحقيق ما أرادت، وفرضت شروطها ومعاييرها الظالمة، فقامت بتجزئة الأسرى وتصنيفهم إلى فئات متعددة، وشتتت شملهم في أقسام متباعدة، ومزقّت وحدتهم بإجراءاتها المتكررة، واستحدثت مصطلح "الأيادي الملطخة بالدماء" لتُطلقه على فئة منهم مما أعتبر مساساً بوطنيتهم ومقاومتهم المشروعة للاحتلال.

وبالمقابل ودون أدنى شك فان المفاوض الفلسطيني قد ارتكب أخطاء كثيرة خلال مسيرته التفاوضية مع حكومات الاحتلال المتعاقبة، وفي تناوله لقضية الأسرى منذ أوسلو، وكنا قد ذكرنا ذلك في دراسة سابقة، لكنه في الوقت ذاته سجل نجاحات عديدة، وتمكن وعبر المفاوضات من إطلاق سراح آلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب. وكان بإمكانه أن يسجل مزيداً من النجاحات وأن يجنبنا كفلسطينيين هذا الموقف الذي لا نحسد عليه اليوم، فيما لو أصر على إطلاق سراح جميع القدامى دفعة واحدة مع استئناف المفاوضات كاستحقاق سياسي وأساسي إذا ما أريد لها الاستمرار، وعدم القبول بتجزئة الإفراج عنهم، على قاعدة أن لا ثقة بالجانب الإسرائيلي، ولا ضمانات بتنفيذه للاتفاقيات.

إن المتتبع للسلوك الإسرائيلي مع استحقاقات العملية السلمية خلال العقدين الماضيين يدرك وبوضوح أن لا أوقات مقدسة لديها ولا التزامات مُلزمة التطبيق من قبلها، في ظل غياب ما يمكن أن يُلزمها بتطبيق ما أتفق بشأنه وتم التوقيع عليه، وهاهي تماطل وتراوغ وتعرض خيارات عديدة غير تلك التي اتفق عليها، بما فيها إبعاد بعضهم لخارج مناطق سكناهم، وتتلاعب بمشاعرنا، والأهم أنها تحاول الضغط على المفاوض الفلسطيني تارة، وابتزاز الجانب الأمريكي تارة أخرى، وهذا ليس بجديد عليها وعلى سلوكها المعهود.

ولعل تنصلها مما ورد في اتفاقية شرم الشيخ الموقعة في الرابع من أيلول/سبتمبر 1999 والتي تضمنت نصاً صريحاً يلزمها بإطلاق سراح كافة أسرى ما قبل أوسلو، قد شكّل صدّمة للأسرى القدامى الذين كان يقدَّر عددهم (500) أسير مع بدء انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر عام2000، الأمر الذي فاقم من معاناتهم، وأبقاهم في غياهب السجون الإسرائيلية وأجبرهم على دفع سنوات طويلة من أعمارهم خلف القضبان.

وفي وقت لاحق تحرر عدد محدود منهم في إطار ما تسميها إسرائيل "بوادر حسن النية"، وتحرر بعض آخر بعد انتهاء مدة محكومياتهم، فيما تحرر العدد الأكبر منهم بموجب صفقة وفاء الأحرار (شاليط) في أكتوبر 2011.

ومع استئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية أواخر تموز/ يوليو عام 2013، كان لا يزال منهم (104) أسرى في السجون الإسرائيلية. وكان الطرفان المتفاوضان قد اتفقا على إطلاق سراحهم جميعاً على أربع دفعات، وفيما التزمت إسرائيل بإطلاق سراح الدفعات الثلاثة الأولى بواقع (26) أسيرا في كل دفعة، إلا أنها تلاعبت بالأسماء وأضافت أسماء لأسرى آخرين من خارج القائمة. هذا وينتظر الفلسطينيون إطلاق سراح من تبقى منهم ــ وعددهم 30 أسيراً ــ والذين كان من المفترض إطلاق سراحهم ضمن الدفعة الرابعة اليوم التاسع والعشرين من مارس/آذار.

وبالرغم مما جرى فإني أرى بأن التأخير في إطلاق سراح الدفعة الرابعة، لا يعني التأجيل أو الإلغاء، فإسرائيل تماطل وتضغط وتحاول مع مرور الوقت كسب المزيد من الطرفين الفلسطيني والأمريكي، وتسعى لأن تقبض ثمناً إضافياً مقابل ذلك.

بتقديري الكل يدرك أن إلغاء الإفراج عن الدفعة الرابعة سيشكل صفعة قوية لمسيرة المفاوضات، وسيعني توقفها، بل ولربما سيؤدي إلى نسفها، وقد يقود إلى حراك نضالي وسياسي داخل السجون وخارجها رداً على هذه الخطوة من قبل حكومة الاحتلال.

وهذا بتقديري ما لا تريده الإدارة الأمريكية التي يتطلب منها الضغط بثقل على حكومة الاحتلال وممارسة نفوذها على نتنياهو إذا كانت أمريكيا حريصة في تجسير الفجوة الواسعة التي تباعد مابين الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، وإنقاذ عملية السلام من المأزق وتجنب المنطقة من عواقب لا تحمد عقباها.

أن ربط الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى والتي تعتبر مختلفة عن سابقاتها حيث تضم 14 أسيراً من المناطق المحتلة عام 1948، مقابل القبول بتمديد المفاوضات ، أو قبول خطة الإطار، أمر مرفوض، كما ولن يكون مقبولاً إبعاد بعضهم عن ديارهم وأماكن سكناهم، وان كان ولا بد من قبول التمديد، وأعتقد أن الأمور تسير بهذا الاتجاه، فيجب أن يكون مقابله إطلاق سراح دفعات جديدة من فئات الأسرى الأخرى، ولتكن حرية الأسرى هي عنوان المرحلة.