تجلس المواطنة المصرية "صباح" في العقد الثالث من عمرها، تضع يدها على "خدها"، وهي تحت أشعة الشمس الحارقة بجانب جدار صالة المسافرين الخارجية في معبر رفح البري، تنتظر أن يأتي الفرج ويُسمح لها بالسفر.
وبدت على وجه "صباح" الحنطي الحصرة والألم والمعاناة وفقدان الأمل، بعدما اتكأت على حقيبة السفر الصغيرة التي تحملها، وذرفت الدموع من عيناها، ما هي سوى لحظات حتى أجهشت بالبكاء، وأصبحت محط أنظار كل من يدخل ويخرج من الصالة.
معبر وولد مفقودين..
مراسل "وكالة قدس نت للأنباء" توجه لها وحاول التحدث والتعرف عن قرب حول سبب بُكائها وما هي مشكلتها، فتقول بصوتٍ مُخفق يئن من الألم باكية بكاءً شديد وجسدها يرتعش: "جئت قبل أسابيع لكي أطالب بحقي من طليقي الذي خطف ولدي".
وتضيف "صباح" : "وجئت معي كافة الأوراق الثبوتية بأن طليقي هرب لغزة عبر الأنفاق ومعه ولدي، وقدمتها للمباحث وكافة الجهات المعنية لكن لم يستجيب لي أي أحد، ولم أعرف أحد بغزة أبيت عنده، سوى امرأة تكفلتني وسمحت لي بالمبيت، لأن المعبر كان مغلق الأسابيع الماضية ولم أتمكن من السفر".
وتتابع : "وها أنا جئت اليوم وأنتظر أن يُسمح لي بالسفر، ولا أعلم ما إذا كان سيُسمح لي بالسفر أما لا"، وبهذه اللحظات أجهشت "صباح" مُجددًا بالبكاء وجسدها يرتعش توترًا وألمًا وبدا عليها أنها غير قادرة على تمالك أعصابها، لنتوقف عن الحديث قليلاً معها.
وبقينا نرافقها حتى هدأت ودق هاتفها من والدها القاطن بمدينة العريش المصرية، وقالت له : "ما سافرت حتى الآن، هياتني شكيت للصحافة وحكتلهم عن مشكلي على الله حدا يساعدني ويسمحولي بعدها بالسفر أنا تبعت كتير يابا".
وتناشد "صباح" الجانبين الفلسطيني والمصري بأن يسهلوا سفرها للعودة لذويها، وتتساءل : "ما ذنبي أن يُختطف ولدي ولا أجد من يُنصفني لا بحقي باسترجاع ولدي ولا حتى بالسفر، شو أنا عملت لحتى يصير في هيك؟".
حرمان فرح وعزاء!
وبجوار "صباح" جلست المصرية من أصول فلسطينية "فريال" بالأربعينيات ودموعها ذرفت على خدها على الرغم من أنها ترتدي نظارة لتغطية تلك الدموع وتُخفي حزن عيناها اللواتي احمررن من شدة البكاء، على رحيل زوجها الذي توفى قبل أيام، وحال إغلاق المعبر دون أن تتمكن من السفر لحضور مراسم دفنه.
ولم تستطع "فريال" الوقوف عن حقائبها التي تجلس عليها من شدة التعب والألم والحزن على فراق زوجها، والحالة النفسية التي تعيشها بين كبت المعبر ولوعة فراق زوجها دون أن تراه، ليرحل عن الدنيا دون أن تودعه وتعود لبيتٍ دون أنيس، بفعل إغلاق المعبر.
وأتت "فريال" قبل عدة شهور لزيارة أقربائها في غزة وحال المعبر المُغلق مُنذ نحو 50 يومًا أمام الحالات الإنسانية من سفرها، مما فاقم من معاناتها، وحرمانها من العودة لأولادها وزوجها، حتى فارق الأخير الحياة دون أن تراه.
وتجول مراسل "وكالة قدس نت للأنباء" داخل الصالة الخارجية للمعبر، ليقابل العروس "تسنيم" 23 عامًا، وتقول : "عقدت قراني على شاب مصري أتى عبر الأنفاق قبل شهور، وها أنا أنتظر فتح المعبر للسفر له كي أتزوج هناك وهو ينتظرني بفارغ الصبر".
ولم تخف "تسنيم" حجم مأساتها كعروس بسبب إغلاق المعبر، بعد أن أجل خطيبها الفرح أكثر من مرة، لتعيش في صراعٍ فكري بين شائعات إغلاق المعبر لفترةٍ طويلة، ومخاوف تخلي عريسها عنها لتصعبه في الوصول لها وتحقيق حُلم زواجهما.
وتوجه رسالة للمصرين وتقول فيها : "نحن أهل وجيران وأشقاء وليس بيننا شيء، لماذا تصدقوا الشائعات التي تطلق بين فينة وأخرى عن غزة، والتي تكون على حسابنا نحن، وبنهاية المطاف تزيد معاناتنا وتتحطم أحلامنا على مشارف المعبر".
آلية للسفر..
بدوره، قال مدير الإدارة العامة للمعابر والحدود بحكومة غزة ماهر أبو صبحة : "اليوم تُعيد السلطات المصرية فتح المعبر بعد إغلاق دام لنحو 49 يومًا أمام الحالات الإنسانية، ولا يُسمح سوى للمعتمرين بالسفر والعودة يومين أو ثلاثة كل أسبوعين".
وأضاف أبو صبحة "مما اضطرنا لإغلاق مكاتب التسجيل منذ أكثر من 40 يومًا، بعد أن بلغ المُسجلين زهاء 6 ألاف، ولو فتحتنا مكاتب التسجيل سيأتي أكثر من 10 ألاف شخص للتسجيل للسفر ونحن نعلم ذلك جيدًا، لذا نقول إن فتح المعبر ثلاثة أيام خطوة جيدة لكنها غير كافية، ونحن باستمرار نطالب بفتح المعبر بالكامل".
وتابع "هذا هو اليوم الأول لفتح المعبر، وسيبقى مفتوحًا حتى الاثنين، ونأمل أن يسافر الجميع، وأن يبقى العمل بآلية تسليم الجوازات قبل بيوم، التي اتفق عليها مع المصريين، للمساهمة بشكل جدي في تسفير جميع العالقين".
ولفت إلى أن الآلية المذكورة تتمثل في تسليم جوازات المسافرين قبل بيوم للجانب المصري لتسهيل سفرهم باليوم التالي، حتى لا يتم عرقلة السفر تحت أي سبب، منوهًا إلى أنهم تسلموا الخميس الماضي جوازات نحو 800 مسافر وأرسلوها للجانب المصري.
وأعلن أبو صبحة لاحقا عن توافق إدارته مع الجانب المصري على تسهيل سفر عدد من المصريين الأصل (أب وأم مصريين) خلال عمل المعبر، مشيرًا إلى أن إدارته ستعمل على تسهيل سفر مصريي الأصل بعد الساعة الواحدة ظهرًا وعلى مدار أيام فتح المعبر الثلاثة.
عدسة "وكالة قدس نت للأنباء" رصدت هذه المعاناة في عيون العالقين على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.
تصوير: عبد الرحيم الخطيب