منذ أن بدأت مرحلة المفاوضات الأخيرة التي شارفت مهلتها على الانتهاء وقد كان موضوع الإفراج عن الأسرى هو الأبرز كشرط أساسي لاستئنافها بالرغم من استمرار البناء الاستيطاني وبحسب معظم استطلاعات الرأي تبين قبول الرأي العام بفكرة الإفراج عن أسرى (نوعيين) مقابل استئناف المفاوضات، والآن وقد عادت وبرزت قضية الأسرى كمحور الخلاف الفلسطيني الإسرائيلي لاستمرار المفاوضات وتمديدها، وهنا بغض النظر عن استحسان الاستمرار بالمفاوضات من عدمه في ظل استمرار التوسع الاستيطاني مقابل مكاسب ملموسة ترضي الجمهور الفلسطيني. لنتوقف قليلا ونبحث عن شروط قابلة للمساومة والتحقيق وتؤدي إلى انجاز يقربنا من حقوقنا وأهدافنا الوطنية والمشروعة.
فلنبدأ بقضية الاستيطان: حيث حاولت القيادة الفلسطينية جاهدة فرض وقف الاستيطان مقابل استئناف المفاوضات، وكانت قد نجحت جزئيا في ذلك سابقا، وقضية وقف الاستيطان قضية واضحة ومشروعة والإصرار عليه لا يضعنا في خانة المعطل للحل السلمي وقضية تحقيقها يؤدي إلى انجاز وطني مضمونه وقف أو الحد من تآكل أراضي الدولة الفلسطينية المنتظرة، وبذلك كانت ولا زالت تمثل أولوية وطنية لا يستطيع احد إنكار مشروعيتها.
أما القضية الثانية: قضية الأسرى، فهي أيضا قضية وطنية تستوجب العمل من اجلها ولكنها على صعيد تحقيق الأهداف الوطنية لا تعد قضية ذات بعد استراتيجي، فمهما أفرج عن أعداد من الأسرى، سيبقى هناك أسرى طالما الصراع مستمر، والشعب الفلسطيني يقدم الأسرى كثمن طبيعي من اجل نيل الحرية والاستقلال، فلا يجوز أن يصبح استرداد ثمن الحرية والاستقلال هو الهدف ذو الأولوية الوطنية على حساب أهداف لها علاقة مؤثرة على الهدف النهائي بالحرية والاستقلال كتهويد القدس واستمرار الاستيطان وفرض واقع عنصري على الأرض وغيره...، فصاحب المشروع عندما يضع رأس مال لتحقيق أرباح يسعى إلى استرداد رأس المال وتحقيق الربح أما إذا أصبح همه استرداد رأس ماله وغير معني بالربح، فبذلك يكون مشروعه خاسر فحتى لو استرد رأس ماله سيكون خسر الجهد والوقت، وبعيدا عن العواطف، نحن كشعب يرزح تحت الاحتلال لا يمثل لنا خروج الأسير من المعتقل سوا الانتقال من سجن صغير إلى سجن اكبر، وعندما يفرج الاحتلال عن أسرى محكومين ومدانين بمحاكم الاحتلال يعتبر أمام العالم كرم أخلاق وبادرة حسن نية من الاحتلال، فلذلك يجب الانتباه إلى ان ورقة الأسرى في المساومة ليست من الأوراق التي يجب أن ندفع من اجلها الكثير، فلو كانت المفاوضات ستؤدي إلى إنهاء الصراع فمن الطبيعي أن يغادر جميع الأسرى معتقلات الاحتلال كما تكفل بذلك القانون الدولي واتفاقية جنيف بشكل خاص، أما لو لم تؤدي المفاوضات إلى إنهاء للصراع فسيتفاقم الصراع وسيكون هناك مزيدا من الأسرى في معتقلات الاحتلال.
قضية المقدسات: هذه القضية ما زالت لم تطرح كورقة مساومة بالرغم من ان انتهاكات الاحتلال لمقدساتنا فاقت الحدود فاقتحامات الأقصى وتدنيسه والسعي لتهويده متواصلة بشكل مخيف وانتهاك حق الفلسطينيين بالوصول إلى مقدساتهم وممارسة حرية العبادة كما هو مكفول في جميع القوانين ما زال متواصلا ويتعمق، وهدم المنازل، والتوسع الاستيطاني في القدس وانتهاك حقوق المقدسيين الإنسانية يستفحل، وكلنا نعلم ان الجانب العقائدي من الصراع العربي الإسرائيلي هو الجانب الأبرز في الصراع، والقدس هي بؤرة التوتر وهي عقدة الحل فلماذا لا تكون قضية وقف انتهاكات الاحتلال للمدينة المقدسة هي ورقة المساومة الرئيسية لاستمرار التفاوض وخصوصا وان مطالبنا فيها مشروعة وانتهاكات الاحتلال فيها واضحة كالشمس، وعندما يقرر الاحتلال وقف انتهاكاته لا يعتبر كرم أخلاق أو بادرة حسن نية أمام العالم بل يعتبر توقف للمجرم عن جرائمه قليلا.
وهناك قضايا إنسانية كثيرة فاتت عليها سنوات طويلة إلى درجة إنها أصبحت روتين يتكرس من المفترض إثارتها والمساومة عليها، فحلها يؤدي إلى الاقتراب من هدفنا بالحرية والاستقلال، مثل قضية انتهاك حق الفلسطينيين بشكل عام وأهل غزة بشكل خاص في التنقل بشكل إنساني مقبول وما يترتب عليه من حرمانهم من حرية الدراسة والعبادة والبحث عن فرص العمل ومكان السكن ولم الشمل، وحق المبعدين بالعودة إلى مدنهم وقراهم، فحل هذه القضايا هو الذي يصنع الدولة وهو الذي يربط الإنسان الفلسطيني بوطنه ويعطيه الأمل بالمستقبل ويدفعه نحو الطموح والإبداع في وطنه.
وهنا نعود ونؤكد بأن قضية الأسرى قضية مهمة وتحرير الأسير والعمل من اجل الأسير يشجع الفلسطيني على مواصلة النضال وعدم الخوف من الوقوع في الأسر، ولكن دون أن ننسى بأننا طالما نحن صامدون على أرضنا المحتلة فنحن جميعا أسرى مع وقف التنفيذ.
لذلك علينا ترتيب أولوياتنا الوطنية بعيدا عن العواطف وبحسابات دقيقة، ولو كانت مطالبنا الإنسانية الواضحة في مشروعيتها صعبة التحقيق، فكيف لنا انتزاع الدولة الحرة المستقلة من خلال المفاوضات ؟