ماذا ننتظر .. فلسطين ستبقى رقما صعبا

بقلم: عباس الجمعة

حسنا فعلت القيادة الفلسطينية بالتوجه الى الامم المتحدة وما التوصيت في اجتماع القيادة الفلسطينية على هذا القرار الا دليلا على اهمية تحصين الوضع الفلسطيني ولكن المطلوب التنفيذ ، وخاصة منذ أكثر من مئة عام، والشعب الفلسطيني يقاوم المشروع الاستعماري الاستيطاني الاحتلالي العنصري الصهيوني، إلا أنه لم ينتصر بالرغم من المعاناة الهائلة والبطولات العظيمة.

ان توقيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس طلب الانضمام إلى 15 منظمة ومعاهدة دولية في الأمم المتحدة، وذلك خلال اجتماع للقيادة الفلسطينية في رام الله، هو النتيجة الطبيعية للتمادي الإسرائيلي في استلاب الحقوق الفلسطينية بغطاء أميركي للأسف، وهو الرد المنطقي والعقلاني على الممارسات الإسرائيليه وأساليب الابتزاز، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية.

اليوم يأتي كيري وغدا يغادر وحقيقة المشهد العنصري التهويدي الماثل في فلسطين من انفلات صارخ وسافر ل"سياسات التطهير العرقي وجنون الابرتهايد كل هذه المصطلحات معا، لم توقف دولة الاحتلال عن مشاريع المصادرة والتهويد ضد الارض وبما صادرته من اراض وممتلكات ومن حضارة وتراث وتاريخ، ولم تكتف ايضا بتهويد الجغرافيا والتاريخ، وانما تخطط وتسعى لاقتلاع وترحيل من تبقى من اهل فلسطين بوسائل مختلفة، و تسعى لالغاء وجودهم تاريخيا ووطنيا وسياسيا وحقوقيا ، وهكذا اذن نحن امام استفحال للعنصرية الصهيونية كي تصبح "دولتهم يهودية نقية من العرب"

امام هذه الامور وهذه هي الحقيقة الساطعة ، ماذ ننتظر بعد ان اغرقت الارض الفلسطينية بالمستوطنات ، وهل ما يحمله كيري الان من وعود باطلاق الدفعة الاخيرة من الاسرى ومعهم اسرى ، وهو يتبنى كافة الشروط والإملاءات الإسرائيلية، التي تدل على حقيقة الدور الأميركي السلبي واقتصاره على إدارة ملف الصراع لا حله، ومحاولة فرض شروط مجحفة وممارسة سلسلة من الوسائل الضاغطة لابتزاز الفلسطينيين لإجبارهم على التنازل عن ثوابتهم الوطنية من حق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم ، وفوق ذلك مطلوب منهم أن يعترفوا بما يسمى “يهودية الدولة” او الوطن القومي لليهود وهو اعتراف سيكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ ينطوي هذا الاعتراف على إلغاء الحق التاريخي الثابت للعرب والشعب الفلسطيني في فلسطين، وبالتالي إضفاء الشرعية على المزاعم والخزعبلات التي يسوقها الصهاينة لتبرير احتلالهم لفلسطين وتشريع وجودهم، الأمر الذي سيعطي كيان الاحتلال الإسرائيلي الحق في طرد الفلسطينيين من داخل فلسطين التاريخية او ما يسمى الخط الأخضر، والأخطر من ذلك هو المساس بالمسجد الأقصى وتهديد بقائه، وجعل الأراضي الفلسطينية ساحة استثمار للرأسمال الفلسطيني والاسرائيلي والأوروبي على حساب قوت الشعب ومصالحه.

لذلك ان المحاولات الاميركية جادة او غير جادة، ففي الحالتين لا يمكن الركون اليها ، ولهذا يحتاج الفلسطيني المفاوض في هذه الايام ان يبحر في احد الوجهين ليرى اين هي دولته المزعومة، وهل يمكن لإسرائيل بالاتفاق مع الولايات المتحدة ان تحقق وعد الدولتين فيما الضفة كلها صارت مليئة بالمستوطنات، ومشروع عودة اللاجئين متآمر عليه، والقدس تهرّب بالتقسيط،وشتى الوعود مجرد كلام وتظل حبرا على ورق،الشعب الفلسطيني الذي يعيش حالة التشرد وانعدام الأمن وفقدان الوطن منذ النكبه ، قادر على الصمود، ولسنا نحن من يجب أن نتسرع من أجل الحل لأن التاريخ يسير في مصلحتنا فلماذا نستمر في مسار مفاوضات عقيم.

نحن بحاجة إلى قراءة عميقة وعلمية للتجربة الفلسطينية تعطي المقاومة الوطنية بكافة اشكالها حقها بوصفها رافعة للنهوض الوطني، ومن دون ذلك من الصعب بقاء القضية حية ، وما تشكيل اللجنة الخماسية من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بالذهاب الى غزة الا دليلا ساطعا من اجل انهاء الانقسام الكارثي والعمل توحيد الشعب وبلورة هوية وطنية فلسطينية وكيان وطني واحد ، ومقاومة الاحتلال حق وواجب تقره جميع الشرائع الدولية.

وفي ظل هذه الظروف نقول ان هنالك مرحلة جديدة، مرحلة بروز تعددية قطبية عالمية وإقليمية. لا يمكن أن يبقى الحال على هذا الحال ، وهذا يستدعي حماية المشروع الوطني الفلسطيني، وتحديد الهدف الإستراتيجي، والبرنامج السياسي، والتمسك بخيار المقاومة الوطنية بكافة اشكالها لانها هي القادرة على تحقيقه.

ولهذا نحن نرى اليوم كما كان متوقعا، وكما أشارت إليه جملة التوقعات، إضافة إلى طبيعة التحركات والتصريحات الأمريكية، بان الهدف من زيارة كيري إحداث اختراق تفاوضي في ظل استمرار السياسة الإسرائيلية تجاه القضايا الخمس الرئيسية المفصلية،التي تمثل جوهر وعود كيري ذاته، وإمعاناً إسرائيلياً إضافياً في تجاوز المرجعية الدولية، التي يفترض أنها تحفظ الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية المشروعة، التي تطالب بها، منذ عقود، القرارات السنوية الدورية الصادرة عن الأمم المتحدة، بوصفها المرجعية الدولية الوحيدة المخوّلة بهذا الملف و(تعقيداته).

ان الموقف الأمريكي حول تمديد فترة التفاوض عاماً آخرا، مترافقاً مع استمرار تهويد الأراضي الفلسطينية وخاصة في القدس ، وما يمثله من إيجاد حقائق جديدة، يراد منها فرض وقائع على الأرض تنسف عملياً أية محاولة للوصول إلى تسوية (متوازنة)، ولا تعني بالضرورة حلولاً عادلة للقضايا الخلافية.

مقرونه بالخداعية الإسرائيلية التي تتمثل في وضع الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال ، وما أعلن كيان الاحتلال موافقته على إطلاق سراح مجموعة كبيرة من الاسرى كعربون على قبول الفلسطينيين استئناف المفاوضات دون قيد أو شرط رضوخًا للضغوط الأميركية، وهذا يبرهن على الانحياز الأميركي لحكومة الاحتلال فهم يهدفون من إصرارهم على تمديد مدة المفاوضات لتأمين الغطاء السياسي وإبعاد الأنظار والتخلص من أي ضغوط أو تبعات لكي تواصل حكومة الاحتلال تغيير الوقائع على الأرض بالتهام ما تبقى من الأرض الفلسطينية، خاصة وأن هذا التغيير يطول الآن وبصورة شرسة وغير مسبوقة المسجد الأقصى، ولذلك فهم ينظرون إلى الفترة الأخرى المضافة للمفاوضات على أنها ستساعدهم في إحداث تغيير جوهري في اعتداءاتهم ضد الأقصى الشريف، أما ما يتعلق بعنصر الوضع العربي المهترئ فالمحتلون الصهاينة وقد رأوا نحوهم حالة الميل الكاملة للعصابات الإرهابية المسلحة التي تقود الإرهاب والفوضى في المنطقة والمدعومة من أطراف دولية وإقليمية وما تبلور عنها من علاقة عضوية وتحالف بين عصابات الإرهاب والداعمين لها وبين الاحتلال الإسرائيلي، فإن ذلك يختصر لهم طريق تصفية القضية الفلسطينية والتهام أرض فلسطين بأكملها.

وفي ظل المعارضة الفلسطينية للعودة الى مسار المفاوضات ، يفترض بالقيادة الفلسطينية مواصلة إنجازاتها الدولية، بعد نيل عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة كعضو مراقب و اللجوء إلى مؤسسات الأمم المتحدة الأخرى: (محكمة العدل الدولية، محكمة الجنايات الدولية، اتفاقيات جنيف الأربع، مجلس حقوق الإنسان.. إلخ)، وهي مؤسسات مخولة وكفيلة بمحاسبة الاحتلال، لتجاهله مجموع هذه القرارات الدولية، بوصفها هيئات مختصة تمتلك سلطة اتخاذ القرارات التنفيذية ذات الصلة، وفي الصدارة منها تهويد الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 واستمرار نشاط غول الاستيطان.

ان وعود كيري تتطلب موقفا فلسطينيا موحدا بالحقوق التي شرعنتها وقوننتها المواقف الدولية ، كما تتطلب خطوات ضرورية لإنهاء الانقسام الفلسطيني الذي طال أمده، وامتد سنوات عديدة، لم تجلب سوى الخسائر الصافية للقضية الوطنية الفلسطينية، وأضافت إمعاناً إسرائيلياً في الاستفادة القصوى من هذه الحالة الفلسطينية.

أن قضية الاسرى تبين هشاشة عملية التسوية القائمة، من خلال تحويلها وسيلة للضغط على القيادة الفلسطينية، وامتهانها، وفرض الاملاءات عليها. وهذا الشيئ يبين لنا ايضا أن حكومة الاحتلال تأخذ كل الفلسطينيين رهينة لديها، وأن المسألة لا تتوقف على اطلاق سراح هذا العدد أو ذاك، على أهميته السياسية والإنسانية والأخلاقية، بقدر ما يتعلق بوضع حد للسياسات الاحتلالية والعنصرية التي تنتهجها إسرائيل إزاء فلسطينيي الأرض المحتلة، وضمنها سياسة الاعتقال، والتصفية، وتدمير البيوت والممتلكات ومصادرة الأراضي. أي أن القصة تتطلّب الخروج من دائرة المفاوضات أو المعادلات المجحفة التي تأسست عليها حتى الآن.

لهذا نرى ان قضية الاسرى توحد الشعب الفلسطيني وقواه وفصائله وهذا يستدعي رسم خطة واضحة المعالم حتى نلتصق معهم، ونلتحم أكثر فأكثر مع قضيتهم التي هي أصلاً قضيتنا جميعاً ، وإستراتيجية ثابتة ، وآليات وأشكال متعددة ، تكفل العمل بشكل تكاملي ، وتقود الى نقلة نوعية من خلال ووضع ملف الأسرى أمام المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية والحقوقية بكل ما يعني ذلك من متطلبات واستحقاقات ،، وتجنيد الرأي المحلي والإقليمي والدولي وتوسيع دائرة التضامن مع الأسرى ومساندتهم ودعم حقهم حتى تحريرهم جميعا .

ختاما : لا بد من القول ان فلسطين رغم خطورة المرحلة ستبقى رقما صعبا والقضية التي لا يمكن تجاوزها ، لان الشعب الفلسطيني سيتمكن من جديد باخذ دوره في انتفاضة جديده ليتمكن من رسم لوحة نضالية اخرى تعيد ما فقد على مر سنين ، فهو شعب الشهادة من اجل الارض والوطن.