كيري وكل هذا الإصرار على المضي في المفاوضات 1-2

بقلم: رشيد شاهين

ليس من المعتقد بأنه كان بعيدا عن أذهان القيادة الفلسطينية بعدم إمكانية التوصل إلى حل للنزاع القائم منذ عقود خلال فترة الأشهر التسعة التي حددت كسقف زمني للمفاوضات بين السلطة ودولة الاحتلال، هذه الفترة التي وضعها السيد جون كيري لكي تكون كفيلة بحل الصراع والتوصل إلى سلام بين العدوين اللدودين.

هذا الاعتقاد يأتي على خلفية الممارسات التي تمارسها قيادة الكيان على الأرض، والمتمثلة في زيادة الاستيطان بشكل مجنون، ومصادرة محمومة للأراضي، وسباق مع الزمن في تهويد القدس، إضافة إلى سياسة العدوان والاغتيالات المستمرة، وغير ذلك من ممارسات تشي بان لا نية لدولة الاحتلال التوصل إلى حل يمثل حد أدنى مقبول فلسطينيا.

السيد جون كيري الذي أخذ على عاتقه هذه المهمة، لم يمارس دور الوسيط النزيه الذي يقف على مسافة واحدة من أطراف الصراع، وكان واضحا منذ البداية، انه يتبنى الرواية والموقف العدواني لدولة الاحتلال، وزاد الطين بله، عندما أقدم على تعيين مارتن انديك، الذي يعتبر أحد أشد المؤيدين لدولة الاحتلال، وهو اليهودي البريطاني الأصل، ومن أهم قادة اللوبي الصهيوني المعروف "ايباك" في أمريكا.

خلال حواراته مع القادة الفلسطينيين، كان كيري يضغط باتجاه أن على الفلسطينيين، أن يساعدوا نتانياهو خوفا من السقوط وفقدانه لتحالفه الحكومي، وكأن من واجب الفلسطيني الدفاع أو التمسك بنتانياهو والحفاظ على وحدة حكومته المتطرفة والمنكرة والمتنكرة للحق الفلسطيني، موقف فيه الكثير من الابتزاز والصلف وعدم الحياد.

في كل مرة كان كيري يفشل في تحقيق أي موقف مهما كان صغيرا من الجانب المعتدي، كان يأتي ليضغط عل الطرف الفلسطيني، على الضحية على أساس انه الطرف الأضعف والقابل للرضوخ للضغوط.

الجانب الفلسطيني الذي يدرك منذ البداية عدم نزاهة الموقف الأمريكي، كان لديه تقدير بان أميركا ودولة العدوان سوف تماطلان وتضغطان باتجاه تمديد المفاوضات، وذلك لأسباب عدة منها:
- أميركا لا تستطيع أن تعلن فشلها في الوصول إلى حل في ظل صراع روسي أمريكي في أكثر من مكان في العالم.
- إن العالم يتجه باتجاه انتهاء حقبة القطبية الواحدة والوحيدة، وهو يسير باتجاه تعددية قطبية بدت ملامحها في الظهور بشكل أكثر بروزا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة وخاصة في ظل الأزمة السورية ومؤخرا الأزمة الأوكرانية.
- الفشل والتراجع الأمريكي في العديد من المواقع وخاصة في مصر حيث كان الرهان على هيمنة الإسلام السياسي من خلال حركة الإخوان وما تتمتع به مصر من أهمية في المنطقة.
- هنالك إمكانية بان يكون كيري الرئيس المقبل للولايات المتحدة خاصة في ظل عدم إمكانية ترشح هيلاري كلينتون، وبالتالي فان كيري هو المرشح الأكثر حظا للرئاسة عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات القادمة.
هذا بالإضافة إلى العديد من الأسباب التي سوف تقود المنطقة إلى المجهول في حال فشل كيري الوصول إلى حل.

طموح جون كيري بالترشح في الانتخابات القادمة، يجعل منه "مستميتا" في إيجاد حل للصراع، ومن اجل ذلك فهو يحاول الضغط على الجانب الفلسطيني وعلى هذا الجانب فقط، اعتقادا منه بإمكانية لي الذراع الفلسطينية بسهولة خاصة في ظل الواقع السياسي والاقتصادي والانقسام في الساحة الفلسطينية، وبعض ما ظهر إلى السطح من خلافات أو ربما "طموحات" ضمن صفوف حركة فتح.

دولة الاحتلال بدورها تعتقد ان بإمكانها ابتزاز الطرف الفلسطيني من خلال زيادة الاستيطان، والمزيد من السياسات العدوانية المعروفة، وانها في ظل فرض المزيد من الوقائع على الأرض سوف تجعل القيادة الفلسطينية "تهرول" باتجاه استجداء الحل من اجل الحفاظ على ما تبقى من الأراضي المحتلة.

وهي ومن خلال أدوات الضغط هذه، تريد ان تقول للعالم، الذي ترك الأمر في اليد الأمريكية غير النزيهة ولا المحايدة، بان الطرف الفلسطيني هو المسؤول عن إيقاف المفاوضات، وان عليه ان يتحمل التبعات لمثل هذا الموقف.