”بات يوم الأرض ومنذ (38) عاماً، يوماً خالداً في مسيرة الشعب الفلسطيني، وفي مسيرة النهوض العارم للحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة الواحدة الموحدة في الداخل والشتات، حيث ما زالت الأرض الفلسطينية تتعرض لحملات التهويد حتى الآن بما فيها المناطق المحتلة عام 1967 خصوصاً في مناطق ومحيط القدس الشرقية،” ××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××
مرت قبل أيام الذكرى الـ (38) ليوم الأرض الفلسطينية، عندما هَبَ أبناء فلسطين بانتفاضة عارمة داخل المناطق المحتلة عام 1948 دفاعاً عن الأرض وضد عمليات المصادرة والتهويد لمناطق الجليل والنقب والمثلث، فكان هذا اليوم هو يوم الثبات والصمود فوق الأرض، في مواجهة عمليات الاقتلاع الصهيونية لما تبقى من أرضٍ فلسطينية داخل حدود العام 1948.
في يوم الأرض، خرج الفلسطينيون في الداخل ومعهم فلسطينيو الشتات، يصرخون بأعلى أصواتهم: الأرض لنا، حرثناها بأظافرنا، زرعناها بنواظرنا، رويناها بدم الشهداء، صارت تشبه الجنة.
ومن حينها، بات يوم الأرض ومنذ (38) عاماً، يوماً خالداً في مسيرة الشعب الفلسطيني، وفي مسيرة النهوض العارم للحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة الواحدة الموحدة في الداخل والشتات، حيث ما زالت الأرض الفلسطينية تتعرض لحملات التهويد حتى الآن بما فيها المناطق المحتلة عام 1967 خصوصاً في مناطق ومحيط القدس الشرقية، وهو ما وضع عملية التسوية الجارية برمتها أمام الحجم الكبير من الاستعصاءات التي ما زالت تعترض طريقها وتهدد استمرارها ووصولها للطريق المسدود.
لقد أرادت الحركة الصهيونية كما كانت تدعي “أرض فلسطين بلا شعب لشعبٍ بلا أرض”، فعملت منذ بدايات الهجرات اليهودية الكولونيالية الاستيطانية لفلسطين والتي تمت برعاية وإسناد سلطات الانتداب البريطاني على الاستيلاء على أكبر مساحة مُمكنة من الأرض الفلسطينية وبكل الوسائل، وصولاً لعمليات الترانسفير والتطهير العرقي التي تمت عام 1948 بقوة النار والبارود واستخدام الإبادة الجماعية.
ففي الوثائق البريطانية والملف الدولي للاجئين رقم (245) الصادر في لندن عام 1993، ففي عام 1947، وقبل تقسيم فلسطين كان عدد سكان فلسطين مليونا و(450) ألف نسمة من المواطنين العرب الفلسطينيين، وبملكية عربية للأرض الزراعية والعقارية تتجاوز مساحتها (26.5) مليون دونم، ونحو (450) ألفاً من اليهود بملكية لا تتجاوز (95) ألف دونم من الأرض، ومنهم (152) ألف يهودي عاشوا مع الشعب الفلسطيني وحملوا الجنسية الفلسطينية والعدد الباقي (498) ألفا دخلوا إلى فلسطين خلال مرحلة الانتداب البريطاني.
وبعد قرار التقسيم وبفعل الهجرة اليهودية المتواصلة أصبح اليهود يشكلون (23%) من السكان لكونهم مواطنين فلسطينيين، والعرب (67%)، بملكية عربية تبلغ (25) مليون دونم. أما الأرض التي تم استملاكها من قبل اليهود بعد تقديمها من قبل سلطات الانتداب البريطاني للوكالة اليهودية، فقد بلغت نحو (581) ألف دونم من إحدى عشرة مدينة.
ومع نكبة فلسطين عام 1948 فقد تم تهجير واقتلاع وتدمير (532) قرية وبلدة ومدينة فلسطينية، وتم مسح عدد كبير منها من الوجود وأقيم مكانها المُستعمرات والمدن الاستعمارية اليهودية.
وتركزت عمليات التدمير والإجلاء والاستيلاء بشكل رئيس تجاه قرى مناطق شمال فلسطين في الجليل وطبريا والساحل، كما في منطقة اللد والرملة فضلاً عن منطقة القدس وشمال قطاع غزة. وبلغ عدد القرى المدمرة بشكل كامل (532) قرية وبلدة عدا أحياء كاملة في المدن المختلفة.
وكانت فلسطين تتشكل قبل النكبة من ستة ألوية تضم (15) قضاء : لواء الجليل: ويضم أقضية عكا، صفد، طبريا، الناصرة، بيسان. لواء حيفا: ويضم قضاء حيفا. لواء نابلس: ويضم أقضية جنين، نابلس، طولكرم. لواء القدس: ويضم أقضية القدس، رام الله، الخليل. لواء غزة : ويضم أقضية غزة، بئر السبع. لواء يافا: ويضم أقضية يافا، الرملة، اللد. ووفق الوثائق الدولية للأمم المتحدة (1948 ـــ 1954) ومجمل تقارير لجان الأمم المتحدة (1949 ـ 1995) وسجل وثائق جامعة الدول العربية، إضافة إلى الملف الدولي للاجئين الصادر في لندن عام 1993 تحت الرقم (245) فقد تم طرد نحو (80%) من ابناء فلسطين من داخل المناطق التي تم احتلالها عام 1948 وذلك من أصل (1.5) مليون نسمة سكان فلسطين العرب عام 1948، واستقرت عائلات اللاجئين في كلٍ من الأردن وسوريا ولبنان وما بقي من فلسطين في قطاع غزة والضفة الغربية.
وعند العودة لعدد من الملفات الدولية الموثّقة، ومنها ملف وثائق الملكية العقارية في فلسطين، وملف الخبراء الدوليين، وملف وثائق فلسطين في جامعة لدول العربية، وملف الدراسات التي قدمت للأمم المتحدة، والملف الدولي للاجئين الفلسطينيين (245) الصادر في لندن عام 1993، نجد أن القرويين الفلسطينيين قد خسروا (مليوناً و400) ألف دونم من الأرض الزراعية المروية، وثلاثة ملايين دونم من الأرض البعلية، و(260) ألف دونم من بيارات الحمضيات، و(78) ألف دونم من كروم الزيتون و(52) ألف دونم من كروم العنب بمبالغ تقديرية أنذاك تفوق (3.445) مليار دولار، كما نهبت المواشي في الأرياف بتعداد (160) ألف رأس من البقر، و(200) ألف رأس من الغنم والماعز، و(42) ألف رأس من الخيول. وبالنسبة للمتاجر فقد تم نهب (8500) متجر، وأكثر من (2600) حانوت، فضلاً عن (36) معصرة زيتون، ومعامل الدباغة والصابون والنسيج وتم الاستيلاء الكامل على البيوت العائدة للاجئين وعلى أثاثها. ووضع اليد على أكثر من (117) ألف منزل في القرى و(33170) منزلاً في المدن، وأكثر من (32200) دونم من الأرض العقارية المعدة للبناء في المدن، وفضلاً عن ذلك السيطرة بشكلٍ رئيسي على المساحات الواسعة من أراضي الملكية العامة في فلسطين وهي الأراضي التي كانت تُعرف بأراضي (الجفتلك) أيام العثمانيين.
وكانت الدولة العبرية بعد أسبوعين من إعلان قيامها على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني، قد شكلت لجنة الترانسفير لمنع العرب الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم، وتدمير القرى التي هجروها بشكلٍ كامل تحت وطأة ما حصل من عمليات إبادة وتهجير، وإنشاء مستعمرات يهودية مكانها، وسن تشريع منع عودة أي لاجئ فلسطيني، واستتبعت ذلك بتشكيل لجنة الترانسفير من خلال لجنة وزارية “إسرائيلية” للأملاك المتروكة والمنهوبة دعيت (دائرة أملاك الغائبين)، وبعد ذلك شكّل ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء في الدولة العبرية الصهيونية في (29 آب/أغسطس 1948) لجنة ثالثة لمنع العودة نهائيًّا لأي لاجئ فلسطيني، حيث أوصت بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان المضيفة، وفضلت العراق لأنه لا يملك حدوداً مع الدولة العبرية الصهيونية.
وخلاصة القول، إن ذكرى يوم الأرض الخالد، محطة كفاحية من محطات صمود الشعب العربي الفلسطيني في مواجهة نهب الأرض واقتلاع سكانها، كما هو محطة في التأكيد على تمسك من تبقى من أبناء فلسطين في الداخل المحتل عام 1948 وعام 1967 بوجودهم فوق أرض وطنهم التاريخي فلسطين بالرغم من محاولات الاقتلاع الجارية بحقهم، فزمن الترانسفير والتطهير العرقي أصبح خلف الظهر وخلف التاريخ.
بقلم علي بدوان
صحيفة الوطن العمانية
الخميس 3/4/2014