إن المتابع لوسائل الإعلام الفلسطينية والعربية، المسموعة منها والمرئية والمقروءة، ليلحظ بوضوح، غياب القدس وأخبارها وقضاياها، بصفتها قضية جوهرية، فنرى الفضائيات العربية والتي تحظى بشهرة واسعة ومشاهدة عالية تتناقل البرامج الغنائية والمسلسلات التركية ومشاهد الفكاهه حتى أصبح مسلسل معين ومجريات أحداثه حديث العائلة وقضية العصر، وبالعودة لقضية القدس نراها تحتل خبراً لا يتعدى دقائق قليلة في أفضل الأحوال لنجد شعب عربي لا يعلم عن القدس إلا إسمها؟.
فلماذا غابت القدس عن الساحة الإعلامية؟ هل كان ذلك بسبب عدم وجود أخبار وأحداث تستحق أن تذكر؟ أم بسبب بعدها الجغرافي واحتجابها بحيث لم يعد أمرها يعنينا كثيراً؟! أم بسبب وجود قضايا أكثر أهمية منها!!! ولا سيما الإقليمية، وقضايا التنمية المستدامة وأسواق المال، والمباريات والمسابقات، كأنهم لا يدركون دور القضية الفلسطينية، والقدس جزء منها، في تشكيل الخارطة الوجودية للمنطقة بأسرها من حيث السياسة والاقتصاد والأمن والاستقرار، وغير ذلك مما يخطر ببالهم أو يعزب عنه!. في القدس تجري كل يوم أحداث مهمة كثيرة، ويكفي ما يتعرض له سكانها من تهجير وهدم لبيوتهم، حيث أصبح الاحتلال يسلم إخطارات بالهدم لأحياء كاملة بدلاً من أن يهدم بيتاً هنا وآخر هناك. والقدس ليست بعيدة عنا، إلا إذا كان ما قاله إميل حبيبي صحيحاً من أن "القمر أصبح أقرب إلينا من تينتنا القمراء". ولندن أقرب إلينا من القدس. فليس هناك ما هو أهم من العاصمة الدينية والسياسية التي تهود صباح مساء دون أن يحرك العرب ساكناً. إن الجريمة التي ارتكبت بحق فلسطين وشعبها، وبحق المدينة المقدسة لجديرة بأن تظل فعالة تحرك النظام والمواطن على حد سواء، وتستصرخ الأمة صباح مساء حتى يتم تحريرهما، فإذا بدر ما يسترعي الانتباه ويستوجب الاهتمام أعطي حقه، ولكن ليس على حساب القضية.
أسباب غياب القدس في الاعلام العربي:
1- عدم وجود التخطيط الصحيح:
إن تحديد الأهداف خطوة ضرورية في نجاح أي عمل أو مشروع، لذلك يجب وضع أهدف واضحة وخطط ممنهجة ومتسلسلة لوسائل الإعلام العربية، الحكومية منها والخاصة، ويجب كذلك، أن تتم متابعة الالتزام بتحقيق هذه الأهداف والخطط والعمل على تطويرها باستمرار. وكي نتمكن من إنجاز ذلك فعلاً، وكي تكون القدس على رأس أولويات الأنشطة والبرامج المختلفة، إخبارية وثقافية وحتى ترفيهية، حيث إن القدس مدينة سياحية عالمية، فإن ذلك يقتضي إنشاء بنك للمعومات تحشد فيه كل المعارف المتصلة بالقدس، مما يمكن أن نطلق عليه إسم "موسوعة القدس" أو بنك معلومات القدس"، كما نقترح تخصيص جوائز لأبحاث موجهة تدور حول القدس، أومقاعد وبعثات دراسية للغرض نفسه.
2- الاهتمام بتبعات الأمور:
أصبح العالم العربي بشعوبه وحكوماته يهتم باثار العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية وقطاع غزة، وتم نسيان أو تناسي القضية الجوهرية واحتلال الأرض الفلسطينية وتهويد القدس الشريف، حيث أصبح الشغل الشاغل للأنظمة العربية وشعوبها إرسال القوافل الغذائية والمساعدات الإنسانية وجمع التبرعات لإعادة إعمار المدن والقرى، دون الالتفات لوضع هدف بتحرير الأرض وإعادة الاجئين إلى بيوتهم ومنازلهم، ومن هذه السياسة المتبعة أصبح الإعلام العربي من مسموع ومرئي ومكتوب بوقاً لنقل ونشر أخبار المساعدات والقوافل بأخبار سريعة لا تتعدى دقائق معدودة.
3- تأثير الآلة الإعلامية المعادية:
إن المتابع للنشاط الصهيوني التهويدي في القدس، يلاحظ أنه قبل الإقدام على أي عمل كبير، مثل هدم حي سكني، يعمد العدو إلى القيام بفعل ما، كعملية اقتحام لإحدى المدن مثلا، ليشغل العالم ـ المشغول أصلا ـ عن الجريمة التي يقوم بها. وهذا يستدعي أن يكون لمؤسساتنا الإعلامية عيوناً خلف رأسها أيضاً، لترى ما يجري أمامها وخلفها كذلك، وتعطي كل حدث حقه من التغطية دون أن يطغى أحدها على الآخر.
4- الانقسام الفلسطيني والتعصب الحزبي:
للانقسام الداخلي الفلسطيني، والتعصب الحزبي الذي يعصف مؤخراً بالشعب الفلسطيني، وما يرافقه من مؤتمرات ونقاشات وخلافات، وما لها من أثر في كل تفصيل في حياة الفلسطيني، ليصبح الإنقسام وأخباره، وتصريحات قادة حزب هذا وحزب ذاك، وجبات دسمة لوسائل الإعلام، تأخد من حيزها على حساب القضية وأصحاب القضية، وبالتالي تأخذ اخبار الاحزاب من حصة القدس وتهويدها، وهو ما يخدم بالنهاية دولة الاحتلال حيث قدمنا للعالم ما يلهيهم ويبعدهم عن القدس وما يجري فيها من تهويد وتهجير واحتلال.
القدس يين ثنايا المصطلحات الإعلامية
هناك العديد من المصطلحات والعبارات التي يتم استخدامها في إعلامنا المحلي والعربي وانعكس على الاعلام العالمي أيضاً، ما كان له أثر سلبي على القضية الفلسطينية وقضية القدس، ومنها:
1. القدس الغربية والقدس الشرقية
عمل الاعلام المحلي والعربي بقصد أو دون قصد على ترسيخ الأداء اليهودي بأحقيتهم في القدس، وذلك من خلال الإنجرار إلى الترجمة الحرفية لإعلام العدو الإسرائيلي، فترى نشرات الأخبار والمقالات والتقارير تعج بالعديد من المصطلحات الخاطئة، كالقدس الشرقية، والقدس الغربية، وأراضي عرب إسرائيل، فالموافقة على تقسيم القدس إلى شطرين شرقي وغربي نقر ولو بطريقة غير مباشرة بأن لليهود حق في مدينة القدس مثلهم مثل العرب الفلسطينيين أصحاب الأرض على حد سواء، وعند استخدام مصطلح "عرب إسرائيل" نقر أيضاً أن العرب أقلية في دولة يهودية ... وهو ما يعتبر خطئ قاتل يجب على إعلامنا العربي مراعاته وتصحيحه.
2- فصل القدس عن الضفة الغربية إعلامياً:
من المحاولات الصهيونية لترسيخ وضع خاص بالقدس يختلف عن باقي الأراضي التي احتلت معها في العام 67، ذلك الأسلوب في الحديث عنها، والذي يقوم على الفصل بين القدس والضفة، علماً بأن القدس جزء لا يتجزأ من الضفة، أو الفصل بين القدس والأراضي المحتلة عام 67، رغم أن القدس احتلت معها في العام ذاته. وهذه المصطلحات تنطوي على تضليل إعلامي ومعرفي خطير. فالضفة لغوياً وجغرافياً تنطوي على القدس، وفصل القدس عنها يصب في فكرة تدويل القدس وفقاً لبعض قرارات الأمم المتحدة، أو توطئة لتقسيمها وفقاً لرؤية المحتل.
3. تهويد حارات القدس وأحيائها ومعالمها:
حيث يتم استخدام مصطلح "حي اليهود"، والصحيح "حي أو حارة الشرف وحي المغاربة"، حيث كان أول عمل قام به اليهود بعد احتلالهم بقية مدينة القدس سنة 1387هـ ( 1967 م) هو الاستيلاء على حائط البراق، ودمروا حارة المغاربة، وتم تسويتها بالأرض بعد أربعة أيام من احتلال القدس، وبذلك دفنت جرافات اليهود تاريخ حارة وقفية إسلامية. وحارة الشرف حي كان يقطنه المسلمون في البلدة القديمة في مدينة القدس، ويقع بجوار حارة المغاربة حيث قام اليهود، بطرد أهلها عند احتلالها سنة1967 م، وأسكنوا فيها اليهود، وأدخلوها ضمن ما أسموها حارتهم، حارة اليهود !!
وأيضا استخدام مصطلح " حائط المبكى" والصحيح "حائط البراق"، وهو الحائط الذي يقع في الجزء الغربي من جدار المسجد الأقصى المبارك، ويُطْلِقُ عليه اليهود اسم "حائط المبكى" حيث زعموا أنه الجزء المتبقي من الهيكل المزعوم، وتأخذ طقوسهم وصلواتهم عنده طابع العويل والنواح على الأمجاد المزعومة. وكان تجمع اليهود حتى عام 1519م قريبا من السور الشرقي للمسجد الأقصى قرب باب الرحمة، ثم تحولوا إلى السور الغربي، والثابت شرعا وقانونا أن "حائط البراق" جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك...وهناك الكثير من المصطلحات التهويد التي ادخلها كيان الاحتلال الى مدينة القدس العربية لتهويدها واحتلالها.
وبالرجوع الى دراسة حول التغطية الاعلامية الالكترونية "الانترنت" لمدينة القدس المحتلة، بعنوان "حضور مدينة القدس في الاعلام على شبكة الانترنت" من اعداد الباحث "محمد خليل الرفاعي"، تبين ان عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض تأتي في المرتبة الأولى بنسبة 14,53%، تليها الكويت بنسبة 13,82%، ثم عمان بنسبة 9,35%، ثم الجزائر بنسبة 8,48%، ثم القاهرة بنسبة 8,13%، ثم القدس بنسبة 7,26%، من مجموع الحضور الإعلامي لمجمل العواصم العربية، ثم تتالى العواصم العربية الأخرى. وتبين نتائج البحث باللغة الإنكليزية باستخدام محرك البحث نفسه أن العواصم العربية تترتب على النحو الآتي: تحتل الكويت المرتبة الأولى بنسبة 20,13%، ثم تونس بنسبة 17,87%، تليها الجزائر بنسبة 16,87%، ثم القدس بنسبة 9,62%، من مجموع الحضور الإعلامي لمجمل العواصم العربية. وتترتب العواصم العربية فيما يخصُّ مجموع نتائج البحث باللغتين العربية والإنكليزية على النحو الآتي: تحتل الكويت المرتبة الأولى بنسبة 19,54% تليهما تونس بنسبة 16,77%، تليها الجزائر بنسبة 16,08%، ثم القدس بنسبة 9,40% من مجموع الحضور الإعلامي لمجمل العواصم العربية. فمما سبق نجد أن القدس تحتل المرتبة السادسة في نتائج البحث باللغة العربية والمرتبة الرابعة في نتائج البحث باللغة الإنكليزية، والمرتبة الرابعة في مجموع نتائج البحث باللغتين العربية والإنكليزية، من مجموع الحضور الإعلامي لمجمل العواصم العربية، وبالنظر إلى العواصم التي تتقدم على القدس ولاسيما باللغة الإنكليزية ومجموع نتائج البحث باللغتين نجدها الكويت وتونس والجزائر وهي عواصم تحمل أسماء دولها، وباستبعاد هذه العواصم نجد القدس تحتل المرتبة الرابعة بعد الرياض وعمان والقاهرة في نتائج البحث باللغة العربية، والمرتبة الأولى في نتائج البحث باللغة الإنكليزية، ومجموع نتائج البحث باللغتين العربية والإنكليزية.
وفي النظر للنتائج السابق يتبادر للذهن السؤال التالي، "أليس القدس العاصمة العربية المحتلة؟، والقدس مهد الديانات السماوية الثلاث الاسلام والمسيحية واليهودية؟، القدس المدينة العربية الوحيدة التي تتعرض كل يوم للهدم والتهجير والتهويد؟، القدس المدينة العربية الوحيدة التي يهجر سكانها كل يوم ويوطن مكانهم يهود متطرفين من شتى بقاع العالم؟، القدس هي مسرى محمد عليه السلام وقيامة عيسى عليه السلام؟ والقدس ...؟؟؟؟؟؟
وبعد جملة هذه التساؤولات والحقائق نرى القدس بعد غيرها من الدول في الحضور الاعلامي على أبرز وسيلة اعلامية الا وهي "الانترنت" على الرغم من اهمية ما يجري فيها. ومن هنا نحاول ايجاد جواب لهذه التساؤولات بالنقاط التالية:
1- تبعية الاعلام العربي للاعلام الغربي.
2- تبعية الاعلام الغربي للسياسة الاسرائيلية والتي تعمل على تهميش قضية القدس في سباق للزمن لتحقيق اهدافها على ارض الواقع.
3- عدم وضع القدس كقضية رئيسية وأولوية بالنسبة للنظم العربية والاسلامية والمؤسسات الاعلامية.
4- عدم ادراك المؤسسات الاعلامية المحلية والعربية لدور الاعلام في القية الفلسطينية بشكل عام وقضية القدس بشكل خاص.
وبسبب القصور الاعلامي في تغطية ما يجري في المدينة المقدسة طالب مدير المركز الإعلامي الحكومي الفلسطيني غسان الخطيب الدول الاسلامية بإعطاء مساحة أكبر في وسائل الإعلام من أجل متابعة ملف مدينة القدس المحتلة وما تتعرض لها من انتهاكات إسرائيلية. حيث شدد خلال مشاركته في المؤتمر الاسلامي لوزراء الاعلام المنعقد في دورته التاسعة في مدينة ليبروفيل بجمهورية الغابون على ضرورة توفير الدعم اللازم لأهل المدينة المقدسة لتمكينهم من الصمود في وجهة الاعتداءات الإسرائيلية. مؤكداً " إن إعطاء الدول الإسلامية المزيد من المساحة لتغطية شؤون مدينة القدس وما تتعرض له من عدوان اسرائيلي في وسائل إعلامها المختلفة، سيؤدي إلى مزيد من التفاعل والتضامن الدولي الذي يخلق ضغطا على حكومة إسرائيل من أجل وقف الانتهاكات الإسرائيلية ضد أرض القدس وسكانها المخالفة للقانون الدولي".
ومن أجل ابراز قضية القدس بشكل صحيح في الاعلام العربي نوصي بـ :
1- توحيد المصطلحات الإعلامية وتعميمها. حيث يتم استخدام المصطلحات الصحيحة في اماكنها الصحيحة.
2- الاعتماد على متخصصين في صياغة المصطلحات أو ترجمتها.
3- السعي نحو إنتاج الأخبار وتصديرها بدل الاقتصار على استيرادها.
4- تخصيص زاوية يومية للحديث عن القدس وأخبارها.
5- وضع خطة إعلامية متحركة تتابع المستجدات على ساحة المدينة المقدسة.
6- رصد دعم مالي كبير للتعريف بقضية القدس وما يجري فيها من تهويد من خلال انتاج الافلام الوثائقية والتقارير المصورة والقصص الانسانية.
7- اعتماد منهج دراسي حول القدس يدرس في البلاد العربية لخلق جيل واعي بقضيته.
8- جعل القدس قضية أساسية جوهرية للعالم العربي والإسلامي.