كما أصبح واضحا، إن دولة الاحتلال، وبينما تمارس سياساتها العدوانية، تمارس أيضا سياسة التهديد والوعيد ضد الشعب الفلسطيني وقيادته فيما لو تم التوجه إلى الأمم المتحدة ووكالاتها ومنظماتها المختلفة.
هذا بالإضافة إلى الطرف الأمريكي الذي يشعر "بالجزع" من توجه الفلسطينيين إلى الهيئات الدولية، وبشكل خاص محكمة الجرائم الدولية، وذلك ان الكونغرس الأمريكي كان قد هدد بالانسحاب من مثل هذه الوكالات في حال قبولها لعضوية دولة فلسطين، الأمر الذي يعني إيقاف الدعم عن هذه الوكالات مما سيؤدي ربما إلى انهيارها.
الموقف الفلسطيني الذي رفض عملية الابتزاز، خاصة في ظل تراجع دولة الكيان عن تعهداتها في قضية الأسرى، لا يرفض التفاوض، ولا نعتقد انه يرفض التمديد من حيث المبدأ، لكن ضمن اشتراطات ربما جديدة، تتمثل في وقف الاستيطان، والعودة إلى حدود ما قبل 28-9-200، وليس على حساب الحق الفلسطيني في الانضمام إلى الهيئات الدولية المختلفة.
كذلك لا بد من تحرير الأسرى، ليس فقط المتفق عليهم مسبقا وهو حق مستحق منذ أوسلو، أي قبل ما يزيد على العشرين عاما، لا بل وعن أسرى غيرهم بما في ذلك المرضى والنساء والقُصّر.
لا شك ان أمريكا ودولة الكيان قد وقعا في سوء تقدير للموقف الفلسطيني، على اعتقاد انه لن يستطيع تحمل الضغوط، وعلى ذلك تصرف نتنياهو بصلف وعنجهية، على اعتبار ان ما يريده لا بد ان يتحقق.
دولة الاحتلال تعتبر الذهاب إلى المنظمات الدولية المسمار الأخير في نعش أوسلو، وفي مثل هذه الحالة لا بد من إنهاء السلطة، وهي تتعامل مع الأراضي المحتلة على أساس انها أراض "إسرائيلية" وبناء عليه فإن على الجانب الفلسطيني عدم "التهور" لان ذلك سينهي السلطة.
الجانب الفلسطيني الذي يعتبر ان لديه البديل من خلال منظمة التحرير، ليس "مرعوبا" من إنهاء وحل السلطة، بل هناك من سيرحب بذلك، على اعتبار ان عودة الجانب المحتل للإشراف على شؤون الأراضي المحتلة قضية ليست سهلة ولن تستطيع دولة الاحتلال تحمل كلفها وتبعاتها.
الجانب الآخر من الصورة لدى الطرف الفلسطيني هو انه لم يعد يثق بالأمم المتحدة وتحديدا بمجلس الأمن، ولا يرغب في إعادة الملف إلى هذه الهيئة، حيث كان هناك على مدار عقود، لكن الموقف الأمريكي كان يشكل عقبة أمام أي حل من خلال حق الفيتو، وعليه فان إعادة الملف إلى المجلس، لن يقدم أو يؤخر شيئا، وعلى ذلك فان البعض الفلسطيني يرى ان من الأفضل ان يتم العمل بقوة وان تتوحد الجهود باتجاه دعوة إلى مؤتمر على غرار مؤتمر جنيف في الشأن السوري، حيث يمكن سحب التفرد الأمريكي وإحباط ما تتمتع به أمريكا من حق للفيتو في مجلس الأمن.
النشاط الأمريكي وهذه "الهمة" والمكابرة في حقيقة الأمر، التي يبديها جون كيري، لا علاقة لها بحل عادل للصراع، بقدر علاقتها بالأوضاع الأمريكية الداخلية وترتيبها قبل الانتخابات النصفية القادمة ومن ثم الرئاسية.
كذلك فإن مراجعة مواقف وتصريحات قادة الاحتلال، وفي المقدمة منهم ليبرمان وليفني، خاصة بعد قرار القيادة الفلسطينية التوقيع على الانضمام إلى العديد من الاتفاقيات الدولية، تكشف مدى الإرباك لا بل "الصدمة" من هذا القرار، على اعتبار ان هذه القيادة أصبحت من "الوهن والخنوع" بحيث لا "تجرؤ" على اتخاذ مثل هكذا قرارات.
وأخيرا لا بد من الإشارة إلى قرار الإفراج عن جوناثان بولارد "إذا كان صحيحا"، فهو قرار له علاقة بدولة الاحتلال وأميركا، وليس على الطرف الفلسطيني تحمل أي تبعات في هذا الشأن، وهو أيضا يأتي ضمن الأجندات الأمريكية الداخلية، وما تراه أمريكا في مصلحتها ليس إلا.
كيري الذي يريد "الفوز" بحل، أي حل، من اجل فوزه وحزبه في انتخابات الرئاسة القادمة، إنما يريده على حساب الحق الفلسطيني، وهذا ما نعتقد انه مرفوض فلسطينيا ويجب ألا يتحقق.