دخلت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ومنذ انطلاقتها قبل ثمانية شهور في مواقف متباينة منها المتأزمة والمتعثرة والمتفاقمة، ولقد ظهر الموقف المتأزم بعد إصرار نتنياهو على اعتراف الجانب الفلسطيني بالدولة اليهودية كشرط مسبق للتقدم في عملية المفاوضات، وهذا أدخل المفاوضات في موقف متعثر لم تستطع الإدارة الأمريكية "راعية المفاوضات المباشرة" إجبار (إسرائيل) على إلغاء شرطها، وفي المقابل رفض الجانب الفلسطيني أي مفاوضات حول الشرط المرفوض فلسطينيا وعربيا وإسلاميا.
اليوم وبعد مضي عدة أيام على إخلال (إسرائيل) بمبدأ الدخول في هذه المفاوضات، والذي نص على الإفراج عن الأسرى القدامى وعددهم 104 أسيرا، ورفضها إطلاق سراح الدفعة الرابعة منهم، مما شكل موقف متفاقم، أوجد حالة من الإحباط الجماهيري والرسمي، واعتبرت القيادة الفلسطينية أن الجانب الإسرائيلي قد أدار ظهره للطاولة وغادرها ليبدأ هجومه على الرئيس الفلسطيني أبو مازن وعلى القيادة الفلسطينية، وهنا لم يكن أمام القيادة الفلسطينية إلا الدفاع عن نفسها ومواقفها وثقة الجماهير بها، فقام الرئيس الفلسطيني وبإجماع القيادة الفلسطينية ووسط ارتياح القوى والفصائل الفلسطينية بالتوقيع على 15 ميثاقاً أمميا وطلب الانضمام لمؤسسات دولية .
وبذلك اعتبرت (إسرائيل) أن طريق المفاوضات أصبح مسدودا وأن الجانب الفلسطيني تقدم بخطوة من جانب واحد، وتناست أنها من تقوم بالخطوات الأحادية الجانب وهي من تعمل على تفجير المفاوضات، وفرض وقائع على الأرض "كعقبات"و " شروط مستحيلة" لتثبت مرة تلو الأخرى أنها غير مؤهلة بعد لدفع استحقاقات السلام، ولم تلبي الحد الأدنى من المطلوب منها، وبالتالي فإنها تعيق اليوم الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى بعد أن أعاقت خروجهم لأكثر من عشرين عاما.
يتضح اليوم أن رأس سفينة المفاوضات في وجه الريح، وبالتالي سيصبح الإبحار نحو الموعد النهائي للمفاوضات الحالية متعثرا وبل فاشلا، فهذه السفينة فقدت "حتى اللحظة" قوة الدفع، وساد الإحباط العام، ولا يوجد الكثيرمن العمل لتحريك الأوراق المتبقية .
وعلى الإدارة الأمريكية التي تملك قدرة الضغط على (إسرائيل)، أن تمارس دورها إن أرادت إنجاح المفاوضات، وإنقاذها في أيامها الأخيرة، وألا تقوم بالانحياز ضد الحق الفلسطيني المشروع، فعدم الحيادية هنا تعني تدمير ما تبقى من مصداقية للمفاوضات، والانتصار للمعتدي على الضحية.
إن القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الأخ الرئيس محمود عباس أبو مازن على يقين تام أنهم لن يخسروا شيئا إن فشلت المفاوضات في وسط عنجهية إحتلالية مرفوضة، بل أن المكاسب قد تحققت حيث الالتفاف الجماهيري، ووحدة الموقف الفلسطيني، وووصلت الرسالة الفلسطينية واضحة أن المفاوضات لن تكون بمفهوم "إرضاء المحتل" أو "المفاوضات لأجل المفاوضات" فلقد مضى الوقت ،وعلى (إسرائيل) أن تتخلى عن عنجهيتها و أن تقوم بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، لأن الدوافع الفلسطينية للمفاوضات انطلقت على أساس حق العودة واللاجئين، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وحرية الأسرى والحياة الفلسطينية الكريمة والسيادة ورفض أي تواجد عسكري فوق ارض الدولة الفلسطينية.