وانضممنا إلى الاتفاقيات الأممية.. ماذا بعد

بقلم: غازي السعدي

الصفعة التي وجهها الرئيس الفلسطيني، وأعضاء القيادة الفلسطينية للحكومة الإسرائيلية كانت مدوية، ولم يكونوا يتوقعونها، مع أن الرئيس "محمود عباس" لوح بها أكثر من مرة، غير أنهم لم يأخذوا تصريحاته على محمل الجد، فالمفاوضات التي أشرفت على نهاية فترتها المحددة-تسعة أشهر كما كان متفقاً- لم تصل لأي تقدم، بل كانت مفاوضات من أجل المفاوضات، وليس من أجل تحقيق اتفاق، فإخلال إسرائيل باتفاق تحرير الدفعة الرابعة من الأسرى، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وساهمت في التوجه إلى الأمم المتحدة، مع أن أوراق الانضمام إلى (15) معاهدة واتفاقية دولية، كانت جاهزة منذ فترة، بانتظار توقيع الرئيس عليها، ويبدو أن قرار التوجه للأمم المتحدة لم يشمل الانضمام إلى محكمة "لاهاي" المختصة بجرائم الحرب، والتي كانت الحكومة الإسرائيلية أكثر ما تخشاها وتحسب لها حساباً، فحكمة القيادة كانت الانضمام إلى مؤسسات الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية، على مراحل وفقاً للأوضاع السياسية المحلية والعربية والدولية، والتوجه الفلسطيني للانضمام إلى هذه المؤسسات من حق الفلسطينيين، حتى وإن كان هناك التزام فلسطيني بعدم الانضمام إلى عضوية هذه الاتفاقيات فإن إخلال الحكومة الإسرائيلية بتحرير الدفعة الرابعة من الأسرى وفقاً للاتفاق، تكون هي التي بدأت بخرق الاتفاق، ناهيك أن المفاوضات بقيت تراوح مكانها في كل ما يتعلق بإنهاء الاحتلال.

لقد سئم الرئيس "عباس" والقيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، من المماطلة التي تمارسها إسرائيل للتوصل إلى حل سياسي، وإسرائيل مستمرة بمشروعها الاستيطاني والتهويدي، حتى أنه في نفس يوم التوقيع على الوثائق، ولخلط الأوراق، أعلنت عن عطاء جديد لبناء (700) وحدة استيطانية في الأراضي المحتلة، فهذا الاستفزاز والتحدي الإسرائيلي، سواء كان بالنسبة للأسرى، أو الاستمرار بمصادرة الأراضي والاستيطان، وانتهاك الاتفاقات، وقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، دفعت بالقيادة الفلسطينية للرد بقوة على هذه الاستفزازات والانتهاكات، فمنذ بدء المفاوضات بتاريخ 30-7-2013، أعلنت إسرائيل عن بناء (4046) وحدة سكينة في الأراضي المحتلة، وصادرت آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين، والولايات المتحدة التي وعدت بإلقاء المسؤولية وتسمية الجانب الذي يعطل التوصل إلى التسوية، اكتفت بتحميل الجانبين المسؤولية عن أزمة المفاوضات، فقد اختارت اللغة الدبلوماسية، مع أن الخلل واضح ويتحمله الجانب الإسرائيلي، حتى أن جريدة "هآرتس 3-4-2014، أكدت أن الأميركيين على قناعة، بأن وزير الإسكان الإسرائيلي "أوري أرئيل"، هو الذي فجر عمداً المفاوضات بإعلانه عن بناء (700) وحدة استيطانية جديدة، وقد انساق معظم الوزراء وقادة الأحزاب الإسرائيلية ، بتوجيه الاتهامات وتحميل الفلسطينيين المسؤولية، حتى أن الوزيرة "تسيفي لفني" –رئيسة الجانب الإسرائيلي في المفاوضات- اتهمت الفلسطينيين بخرقهم الاتفاق بتوجههم للأمم المتحدة، دون أن تذكر ولو بكلمة واحدة عن الخرق الإسرائيلي بعدم إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى، وبدلاً من مطالبتها الفلسطينيين بإلغاء توجههم للأمم المتحدة، كان عليها الإفراج عن الدفعة الرابعة، ربما لما كان التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة.

رئيس الوزراء "نتنياهو" لم يعلق حتى لحظة كتابة هذه السطور على هذه التطورات، هل تعرفون لماذا؟ لأنه توصل مع وزير الخارجية "جون كيري" لإطلاق سراح (426) أسيراً إضافة إلى الدفعة الرابعة المتفق عليها، وتجميد جزئي للبناء الاستيطاني، وأطلق عليه مصطلح جديد هو "ضبط البناء"، وليس تجميده، وحسب القناة العاشرة في "التلفزيون الإسرائيلي 1-4-2014"، فإن صفقة "الوزير كيري" لإنقاذ ما يسمى بعملية السلام من الانهيار، تشمل: تمديد المفاوضات حتى نهاية العام، والإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين لتشمل أسماء فلسطينية قيادية وتاريخية، وتجميد هادئ للاستيطان في مستوطنات الضفة الغربية دون القدس، في المقابل تدرس واشنطن الإفراج عن الجاسوس "جوناثان بولارد"، ووعود مالية وتسهيلات إدارية للسلطة الفلسطينية مثل لم الشمل، ووقف الاستفزازات والاعتقالات، لكن أحداً من الجانبين الإسرائيلي أو الفلسطيني، لم يعلق على هذه الصفقة.

إسرائيل ترى بتوجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة خطراً يعرضها لعقوبات دولية، وعلى إسرائيل-من خلال ردود الفعل الداخلية- أن تشعر بالخوف لما لهذا التوجه من آثار خطيرة على كافة المستويات، في إشارة للتهديدات الموجهة للفلسطينيين، باتهامهم للرئيس "أبو مازن" أنه أفشل مهمة "كيري" قبل قدومه للتوصل لاتفاق، ووصفهم لـ "عباس" أنه كشف عن وجهه الحقيقي في رفضه التوصل إلى حلول، وأنه تجاوز الخط الأحمر، لكن كل هذه الاتهامات جاءت بعد أن نكثت إسرائيل باتفاق الأسرى، وكان لابد من رد فلسطيني على هذا الخرق.

اللقاء الثلاثي الذي انعقد مساء الخميس الماضي، في محاولة لإنقاذ المفاوضات -والذي ضم "د.صائب عريقات"، والوزيرة "تسيفي لفني"، والوسيط الأميركي "مارتن إنديك"- لم يأت بجديد، بل استمرت الاتهامات المتبادلة، والتي تخللتها تهديدات بمعاقبة الفلسطينيين، ولو تابع محقق أممي محايد هذه المواقف لحمّل إسرائيل كامل المسؤولية عن هذا الانهيار فوراً، فوزير الخارجية "أفيغدور ليبرمان"، يعارض أية تسوية تتضمن الإفراج عن أسرى من عرب الداخل، مع أن الرئيس "أوباما"، ووزير الخارجية "كيري"، كانا على علم بأن الدفعة الرابعة من الأسرى تشتمل على (14) أسيراً من عرب الداخل، وهناك من يتحدى "نتنياهو" بنفي ذلك، و"ليبرمان" يدعي أن هناك أفقاً سياسياً للحل، وأن إسرائيل قامت بعمل كل ما يجب فعله من أجل المفاوضات (هذا صحيح ولكن ليس من أجل الحل)، ويقول أنه في حال عدم رغبة الفلسطينيين في "إدارة" المفاوضات، علينا عدم ملاحقتهم كي يقبلوا، وأن لا تُقدم لهم أية محفزات أو بوادر حسن نية وهذه وقاحة أما الوزير "نفتالي بينت" فهو على استعداد ليقدم للفلسطينيين تذاكر السفر ليذهبوا إلى الأمم المتحدة، ونائب وزير الخارجية "زئيف علكين" دعا رئيس الوزراء لوقف المفاوضات، كما انتقد الوزيرة "لفني" بشدة جراء لقائها مع "صائب عريقات"، وقال: علينا استخدام وسائل الضغط الموجودة بحوزتنا، كي نثبت للفلسطينيين بأن خطوتهم للأمم المتحدة ليست مجدية، فهل هؤلاء يريدون سلاما؟

الإسرائيليون ذهلوا من جراءة الفلسطينيين وتوجههم إلى الأمم المتحدة، فلم يخطر ببال أحد أن أبو مازن قد يُقدم على هذه الخطوة ويقلب الأوراق، وهناك من أعرب عن ارتياحه وسروره لخروج الفلسطينيين من المفاوضات، إذ أنهم أصلاً لا يريدون مفاوضات جدية، حتى أن مجلس المستوطنات أرسل برقية عاجلة إلى مجلس الوزراء بتاريخ 1-4-2014، يطالب برفض أي اتفاق مع الفلسطينيين، يقضي بتجميد البناء أو إطلاق سراح أسرى، والوزير "لاندو" هدد الفلسطينيين بدفع ثمن باهظ لذهابهم إلى الأمم المتحدة، فقد كتبنا أكثر من مرة بأن الأيديولوجية الصهيونية تتبنى ما يسمى بـ "أرض إسرائيل التوراتية"، وأن حكومة اليمين والسلام نقيضان، ومخططاتها لحل القضية الفلسطينية خارج فلسطين، وأن عدم الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى، كان مخططاً له، لاستفزاز الجانب الفلسطيني، للرد عليه، وبالتالي إلقاء المسؤولية على الفلسطينيين، والهدف إنقاذ حكومة "نتنياهو" من السقوط، إذ أن استمرار المفاوضات، والتوصل إلى اتفاق مبادئ حسب خطة "كيري" سيؤدي إلى سقوط الحكومة، حتى أنهم يقولون بأن التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة، أنقذ الحكومة من الانهيار.

وأخيراً...... المستقبل مظلم ومليء بالمخاطر، ويتطلب من الفلسطينيين الاستعداد للقادم، إذ أن أشد ما يزعج ويغضب الأميركيين والإسرائيليين من التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة، هو ضرب الفلسطينيين عرض الحائط بالتهديدات والضغوط الأميركية والإسرائيلية، فقد خرج الفلسطينيون من عباءة الضغوط، ولم يعد أمامهم ما يخسروه.