غزة وأعوام الرمادة السبع وطبقة الأثرياء المنتظرة!!

بقلم: حسن عطا الرضيع


شهد قطاع غزة العديد من التغيرات في السبع سنوات الأخيرة اتسمت في مجملها بسنوات عجاف دون وجود أي أمل بسنوات أخرى سمان, في ظل تفاقم وتأزم الواقع المعيشي لأهالي قطاع غزة الذين أرهقهم الفقر وأفتكهم الجوع والحرمان من أدنى مقومات الحياة الإنسانية الأساسية, وألقت بهم البطالة على مفترقات الطرق ليحتضنهم اليأس والإحباط وغياب الإحساس بتنمية وتطوير قدراتهم وشعورهم لحالة من الاغتراب في داخل بلدانهم بعد عقود من البناء ذهبت في مهب الرياح في الشهور الستة الأخيرة, حيث تدني مستويات المعيشة وتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية كاقتراب معدل البطالة لحدود 37% في صفوف العاملين ومن بينهم الخريجين لتصل إلى 70% في صفوفهم , إضافة لحالة الفقر المدقع والذي أصبح ظاهرة عامة تصيب أغلبية الأسر, وما يرافق ذلك من ظواهر اجتماعية كارتفاع نسب العنوسة وسوء التغذية وفقر الدم للأطفال والنساء, وارتفاع معدلات الطلاق ففي العام 2007 بلغت 1524 حالة ارتفعت في العام 2013 إلى 2825 حالة, وهذا ينذر بتراجع وتفتت النسيج المجتمعي , كذلك التراجع في كافة الأنشطة الاقتصادية وحالة الركود في كافة المناحي في قطاع الإنشاءات والنقل والمواصلات وأسواق البيع بالجملة والتجزئة وحتى إغلاق وتوقف المئات من المنشآت الصناعية والتجارية تارةً لعدم دخول المواد اللازمة للإنتاج وتارة أخرى لانقطاع التيار الكهربائي ولأزمة غاز الطهي وغيرها, وعنوةً استقبل الغزيين عام 2007 عاماً للرمادة نتيجة للحصار المفروض على قطاع غزة بعد فوز حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي في دورته الثانية في 25 يناير وتشكيلها للحكومة العاشرة , ومع إغلاق إسرائيل لخمسة معابر مع غزة من أصل سبعة وإبقاءها فقط على معبري كرم أبو سالم التجاري وإيرز لتنقل الأفراد, هذا الإغلاق ساهم بخلق مشكلة إنسانية تمثلت باختفاء مئات السلع من الأسواق والتي تقلصت من 9000 سلعة إلى 30 سلعة , ومع تفاقم الوضع المعيشي توجه الغزيين وبدون رؤى واضحة ودون إستراتيجية وطنية معينة لحفر أنفاقاُ للتهريب عبر الحدود مع جمهورية مصر العربية, والتي تزايدت من 20 نفقاً عام 2007 إلى قرابة 1400 نفقاً حتى العام 2013 , هذه الظاهرة والتي استطاعت في بداية الأمر توفير بعض السلع الضرورية والأساسية وساهمت في الحل الجزئي للمشكلة الإنسانية, إلا إنها مثلت الاقتصاد المُدمر وغير المنتج وكبحت جماح أي إمكانية لبناء وتأسيس اقتصاد منتج وقائم على تعظيم الموارد المحلية والممكنة واستغلالها الاستغلال الأمثل تمهيداً لاقتصاد سوي لمعالجة الخلل في الميزان التجاري والمعاني باستمرار لعجز مزمن لتزايد حجم الواردات عن الصادرات , ويعزر إمكانيات الاقتصاد المجتمعي على تحفيز الخيرات المادية من سلع وخدمات من شأنها توفير المقومات لتنمية اقتصادية مستدامة تضع في سلم أولوياتها الحد من معضلتي الفقر والبطالة ضمن سياسة اقتصادية ومالية وتجارية ونقدية متوازنة قوامها العدالة الاجتماعية وتضع حد لكافة الأنشطة غبر المنتجة وللثراء الفاحش غير المشروع وتقضي على قيم الاحتكار ليحل محلها قيم التنوير والنهضة تمهيداُ للحداثة واللحاق بركب التقدم.
ولكن ومع إغلاق الجيش المصري للأنفاق مع غزة بعد ثورة 30 يونيو2013 , بدأ بالظهور على السطح حزماً من الحصاد المُر للأعوام السبع , كحالة الركود الاقتصادي التي تعانيها أسواق القطاع وانخفاض في أسعار الأراضي والعقارات بعد ذروة من الارتفاع عامي 2010-2011 والتي وصلت لأسعار خيالية لم تعكس حينها القيم الحقيقية , كذلك ظهور بعض الأموال التي غسلت وتمركز الثروات في يد بضع مئات لم تستثمر في قنوات الاستثمار الحقيقي المنتج والذي يضيف قيم حقيقية, ورفض بنوك غزة استقبال ودائع بالدولار في الشهور الأولى من عملية الإغلاق, تفاقم مشكلتي الكهرباء والماء والوقود , وتكبد الاقتصاد خسائر لكافة الأنشطة قدرها البعض بحوالي 500 مليون دولار في الشهور الستة الأخيرة من العام 2013, وتراجع مساهمة هذه الأنشطة بحدود 60%, وتوقف شبه كامل لقطاع الإنشاءات والناجم عن عدم دخول الاسمنت ومواد البناء وتوقف الأنشطة المرافقة لها, وحصيلة مدخرات سالبة بقيمة 597 مليون دولار وهذا يعني غياب الادخار المحلي وعدم قدرته على تمويل الاستثمارات القائمة, كذلك ارتفاع الاستهلاك عن حجم الإنتاج وهذا اوجد مجتمعاً استهلاكياُ بامتياز , كذلك ارتفع النمو السكاني في السبع سنوات العجاف لحدود 25% ورافقه ارتفاع في متوسط الدخل بحدود 8% لنفس الفترة وهذا يعكس طبيعة الاقتصاد القائم على الريع والطفيلية .
المار بشوارع وأزقة وأسواق غزة يلاحظ حالة الفقر المزري التي وصلت إليها أغلبية الأسر الغزية من خلال تزايد ظاهرة عمالة الأطفال ومنها ما دون الأعوام الثمانية, والباعة المتجولون والثابتون على الطرقات كبسطات الدخان والمشروبات والمأكولات السريعة, هذه الظواهر المنتشرة في الشهور الأخيرة يضع الاقتصاد أمام عدة مفترقات للطرق كما كان في العام 2007 والطريق الذي اختاره الغزيين سقط وفشل مع إفرازات الأنفاق وتأثيراتها التي مست كافة نواحي الحياة وكانت البديل الأكثر سوءاً , ومن نافلة القول يمكن اعتبار أن السنوات السبع الرمادية التي عانها الغزيين قد حصدها العام 2013 وبدأ العام 2014 بشهور أكثر رمادية تحتاج لإعادة نظر من قبل الجميع للوقوف أمام مسئولياته قبل انفجار شعبي وشيك , فالفقر أبو الشرور ومولد الثورات والجريمة , وقتل الفقر من منبعه يقتل كل ظواهر الانحراف والجريمة فعلاج المشكلة الاقتصادية والاجتماعية يتطلب مكافحة الفقر عبر بناء اقتصاد منتج واشتقاق تجارب العالم في مكافحته لهذه الظاهرة والمطلوب هو تقليص تلك المعدلات لحدود منخفضة عبر إتباع أساليب الرشد والعقلانية في أي قرار اقتصادي متخذ , حيث لم تستطيع الحكومات الفلسطينية المتعاقبة الحد من ذلك رغم تزايد حجم المساعدات الخارجية ويعود السبب في ذلك للإفراط في النفقات العامة وارتفاع فاتورة الرواتب وخصوصا الوزراء وأعضاء التشريعي وكبار الموظفين والمدراء العاميون.
وفي ظل سبع سنوات عجاف لم يصاحبها سنوات سمان؟ فإن الغزيين بحاجة للعدالة الاجتماعية الغائبة والمفقودة !!
والسنوات السمان أنتم إذا كنتم أنتم من يقرر متى ستكون بقطاع غزة وآهات وعذابات المحُترقين ستقرر ذلك آجلاً أم عاجلاً.