مسامير وأزاهير 329 ... "التخابر" بين الحلال والحرام!!!.

بقلم: سماك العبوشي

الكل بات يعلم كم قاسى أبناء غزة وحركة حماس على حد سواء من ظلم نظام حسني اللامبارك المخلوع، وكيف ساهم بخدمة أهداف وأجندات صهيوأمريكية من خلال تشديد الحصار على غزة الصمود ومحاولة كسر شوكة وعزيمة أبنائها الأشاوس المرابطين الرافضين للتطبيع والاستسلام لإرادة المحتل، ورغم تواطؤ نظام اللامبارك وتنسيقه المكشوف إلا أنه لم يتجرأ يوما على وصف حركة حماس بالإرهابية خشية منه ورهبة وفزعا لغضبة الشارع العربي عموما والمصري خاصة، ذاك من جانب، ومن جانب آخر فإن نظام حسني اللامبارك المخلوع قد حرص على الدوام أن يبقي شعرة معاوية بينه وبين حركة حماس، حرصا منه أن يكون حلقة الوصل (الوحيدة!!) بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني من جانب وحركة حماس التي تقود غزة من جانب آخر، فكان يمارس مهمة المرسال عند اشتداد أي أزمة بين الجانبين، ويستقبل في قاهرة المعز مبعوثي الحركة – رغم كرهه لهم – للتباحث معهم، ولعل وساطته بإيقاف الهجمة العسكرية البربرية الصهيونية على غزة الصمود والإباء إبان معركة الرصاص المصبوب للفترة من يوم 27 ديسمبر 2008 إلى 18 يناير 2009خير شاهد على ذلك!!.

ثم جاءت ثورة 25 يناير العظيمة لتخلع اللامبارك عن كرسيه الذي طال جلوسه عليه وسط ذهول وإعجاب غربي، فرغم شدة عنفوان وبأس شباب الثورة إلا أنها حافظت على سلميتها رغم سقوط مئات من زينة شبابها المسالم المؤمن على أيدي جلاوزة النظام المخلوع وبلطجيته المأجورين، ثم أجريت الانتخابات البرلمانية ثم تلتها الرئاسية كما تم إقرار الدستور المصري بمنتهى الشفافية والوضوح وسط فرح جماهيري عارم، غير أن مؤسسات الدولة العميقة وفلولها في مصر كانت تعمل بدأب وبصمت على إجهاض تلك التجربة الشبابية الثورية الرائعة، فراحت تعمل على إفشال حكومة مصر من خلال وضع العصي في دواليبها، تساندها في ذلك وسائل الإعلام المصري المأجور والمدفوع الثمن التي مارست التهويل والتظليل الإعلامي حتى حدث الانقلاب على الشرعية الدستورية بعد عام واحد من تقلد مرسي رئاسة مصر، ليقدم بعدها للمحاكمة بتهمة "التخابر!!" مع الشقيق الفلسطيني المقاوم والمحاصر "حركة حماس"، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوز ما كان خطأ أحمر أيام نظام اللامبارك المخلوع، حيث عـُـدّت الحركة التي حملت البندقية لمواجهة الاحتلال الصهيوني وصمدت بوجه التركيع والخنوع "إرهابية!!" تماما كما اشتهت وتمنت حكومة تل أبيب!!.

وكما مجدت وهللت وسائل إعلام مصر الصفراء بهذا القرار المشين، فقد حذت حذوها وسائل الإعلام الصهيونية فعبرت هي الأخرى (بتطابق رأي غريب مشين!!) عن فرحتها العارمة بالحكم القضائي المصري الصادر بحق حركة حماس، وراحت تلك الوسائل الإعلامية الصهيونية توظف ذاك القرار وتظهره على اعتبار أنه إثبات لوجهة نظر الكيان الصهيوني في حركة حماس باعتبارها حركة إرهابية، وإن هذ القرار إنما يتقارب مع وجهة النظر الدولية القائلة بخطورة حركة حماس على المنطقة بأسرها، ولم تكتف بذلك، بل راحت تمهد الطريق أمام سلطات الانقلاب في مصر لاتخاذ قرار بتضييق الخناق على غزة وحركة حماس وبالصدام المسلح معها أو اعتقال أفرادها بشكل أكبر داخل مصر، وذاك لعمري ما تم فعلا كما رأينا وسمعنا ما جرى في سيناء من تجريف للأنفاق!!.

كانت تلك لعمري مقدمة سردية – وإن طالت قليلاً- لتسلسل أحداث جرت في المشهد المصري لتكون مدخلاً نلج منه إلى مربط فرسنا والهدف من مقالنا هذا والمتمثل بخبر كانت قد كشفته لنا صحيفة "جيروزاليم بوست" يوم الخميس 13 آذار/مارس 2014 عن "نجاح جهود الوساطة المصرية في وقف إطلاق النار الذي استمر لمدة يومين بين إسرائيل والجماعات المسلحة بقطاع غزة، وفقاً لما ذكره مسؤلون في حركة الجهاد الإسلامي"، وربما كان سيُعَدُ خبر صحيفة "جيروزاليم بوست" المنوه عنه آنفاً عاديا ولا يستحق الوقوف عنده والحديث بشأنه لولا تهمة "التخابر" والخيانة العظمى التي وجهت للرئيس المصري الشرعي محمد مرسي آنفة الذكر، ومن هذا المنطلق فإننا نتساءل باستخفاف وازدراء شديدين:
• إذا كانت تهمة الخيانة العظمى التي وجهت للرئيس المنتخب والشرعي الدكتور محمد مرسي والتي كانت سببا في عزله وإيداعه المعتقل هي "التخابر" مع حركة حماس – الإسلامية العربية - والتي اعتبرت فيما بعد إرهابية، فكيف سيفسر لنا الإنقلابيون في مصر ويبررون لنا "التخابر" الذي أجرته سلطاتهم مؤخرا مع ذات القيادة "الإرهابية المحظورة" والتي تكللت بالنجاح في وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية في غزة وبين الكيان الصهيوني الغاصب والدخيل!!؟.
• وهل أن لـ"لتخابر" مع ذات الجهة "الإرهابية!!" (من وجهة نظر الانقلابيين في مصر) مفهومين مختلفين!؟، بعبارة أخرى، أن يكون تارة وتحت ظرف معين حلالا مستحبا، وتارة أخرى تحت ظرف آخر سيكون حراما مكروها!؟.
• وإذا كان "التخابر" مع الشقيق إتهاماً وخيانة عظمى، فكيف بالله عليكم ستكون صفة "التخابر" مع العدو المحتل الغاشم!؟.
• لماذا يكون الدم العربي المسلم مستباحا هكذا بحجة ضرب "الإرهاب" وذريعة تجفيف منابعه، فلا نرى حكامنا ينبسون ببنت شفة حيال تلك الجرائم، فلا تتحرك وساطة لإنهاء تلك المذبحة، فإذا ما كانت المقاومة التي تدافع عن مصير شعبها الجريح وأرضها المغتصبة قد ردت بصواريخ متواضعة الصنع والإمكانيات وبلا تأثير يذكر إلا التأثير المعنوي المفزع لقطعان المستوطنين، فإن الوساطات لنظام الانقلاب في مصر تتحرك حبا وكرامة لعيون الكيان الصهيوني والسيد العم سام!؟.
• وهل كان نظام الانقلاب في مصر الكنانة سيمارس جهود الوساطة تلك لو قامت قوات الاحتلال الصهيوني باجتياح قطاع غزة أو ضرب أبناء غزة بالطائرات والصواريخ والأسلحة الميدانية الثقيلة، أم أنها ستزيد الخناق وقتذاك على أبناء غزة للإجهاز على "بؤر الإرهاب!!"!!؟.

لا تعليق عندي سوى ترديد المثل القائل: "إن لم تستح فاصنع ما شئت"، وهو تقريع وتعرية لمن لا يملك ذرة من حياء حضوري ولا يحمل في ضميره ووجدانه مبدأ ولا شرفا فيفعل ما بدى له، فكل التبريرات عند معظم الأنظمة العربية المتجبرة القابعة على رقاب أبناء شعبنا العربي، وهي تندرج بالطبع تحت عنوان السياسة، والسياسة (أجلكم الله) ملئ بالقذارة التي تزكم الأنوف، فهي تطوي تحت جناحها المصالح والمكاسب والمنافع والمفاسد، كما ترتهن بالإملاءات الصهيوأمريكية، كما ولها علاقة بالرضا والقبول الأمريكي الصهيوني، ولقد بانت الحقيقة وظهر أن ثمن الفوز بكرسي الرئاسة في مصر مدفوع مقدما، فلكي ينال المشير السيسي الرضا الأمريكي ويبارك له ترشحه للرئاسة المصرية كان عليه لزماً إبداء كل مظاهر الطاعة والانصياع للإرادة الصهيونية والمتمثلة بضرب آخر معقل للمقاومة الرافضة للخضوع الصهيوني، فجاء القرار باعتبار حماس منظمة إرهابية، وما رافقها من تشديد الحصار الجائر على غزة وأبنائها الصابرين المرابطين، وذاك ما كشفه الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك مراسل صحيفة اندبندنت البريطانية في الشرق الأوسط بمقالته المعنونة "أمريكا ليس لديها مشكلة في ترشح السيسي طالما لا يمس مصالح إسرائيل!!." حيث قال وأقتبس نصاً "إن الولايات المتحدة ليس لديها مشكلة في ترشح عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية في مصر، طالما أنه لا يخالف المصالح الإسرائيلية، ويحمي المعبر مع غزة"، وترشح السيسي له ثمن ... وهذا لعمري هو الثمن!!.

ربما لم يتناه لأسماع نظام الانقلابيين في مصر بيت شعر شعبي عراقي صار مثلاً هذا نصه:
"يا حافر البير لا تغمُّج مساحيها خاف الفـَـلـَكْ يندار وانت التكع بيها(1)"، وخلاصة البيت الشعري الشعبي يتطابق تماماً والمثل العربي: "من حفر حفرة لأخيه وقع فيه".
واللبيب من الإشارة يفهم!!.
سماك العبوشي
[email protected]
11 نيسان (أبريل) 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يا حافر البير: يا حافر البئر.
لا تغمج مساحيها: لا تعمِّق بالحفر.
خاف الفلك يندار: أخشى أن ينقلب الزمان ( والزمن يومان، يوم لك ويوم عليك......).
تكع بيها: تقع فيها.