لا مصالحة بدون حسم النهج والخيار

بقلم: راسم عبيدات

كلما شعر احد طرفي الإنقسام بتأزم أوضاعه أو دخل في مرحلة حرجة،يجري ويهرب للعب على وتر المصالحة وإستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الإنقسام،وتبدأ اللقاءات والإجتماعات المارثونية بين طرفي الإنقسام،يؤكدان ويشددان على إنهاء الإنقسام،ويعقدون المؤتمرات الصحفية ويصدرون البيانات النابذة للإنقسام،وما يتركه من تداعيات وآثار مدمرة على قضيتنا ومشروعنا الوطني،وكان الإنقسام ليس من فعلهما،بل بفعل مخلوقات فضائية،وما ان تتحسن ظروف احد طرفي الإنقسام،او يشعر بان ظروفه واوضاعه مريحة،حتى يباشر في حملة قدح وذم وتشهير وتخوين للآخر للتهرب من إستحقاقات المصالحة.

المصالحة ليس قضية تحظى باولويات طرفي الإنقسام،فهي ورقة استخدامية لهذا الطرف او ذاك،فحماس عندما كان مرسي يحكم في مصر،شعرت بان مشروعها يتقدم ويحقق نجاحات،وبالتالي هي لم تستعجل المصالحة،وتريد أن تفرض شروطها وبرنامجها على المصالحة،ولكن بعد سقوط مرسي وما قام به النظام المصري الجديد من إجراءات بحق الإخوان المسلمين وحماس،وجدنا حماس تخفف من سقف مطالبها وتسعى للمصالحة بأثمان اقل بكثير مما كانت تطرحه،وهذا ليس له إرتباط بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني،بل إرتباطاً بأوضاعها الداخلية،وكذلك سلطة رام الله التي تفاوض اسرائيل برعاية امريكية غير مستعجلة المصالحة،حتى لا تتهم بتخريب المفاوضات،ولكن عندما دخلت المفاوضات في أزمة،ولم تحقق أي نتيجة تشكل إنجازاً لسلطة رام الله،أخرجت ورقة المصالحة كقضية ضغط وتكتيك ليس اكثر،وكلتا السلطتين نمت لهما مصالح وامتيازات والمصالحه هي مجرد ورقة ابتزاز سياسي وتكتيك لكليهما،وللظهور أمام الجماهير بأنهما ليستا العائق أمام إتمام المصالحة،ولذلك وجب ان يكون هناك تحرك جماهيري واسع ضد هاتين السلطتين،وأشدد على جماهيري وشعبي،لأن القوى الرافضة للإنقسام الأخرى،لم تنجح في ان تشكل ضاغطاً حقيقياً على تلك السلطتين من اجل انهاء الإنقسام،ولذلك فإن الوفد المشكل من سلطة رام الله او التنفيذية او المركزية فالأمر سيان، والذهاب الى قطاع غزة تحت يافطة المصالحة لن يحقق اي اختراق جدي،فالمفاوضات بعد الفصح اليهودي ستمدد وستعقد الصفقات مع سلطة رام الله وسيتراجع ملف المصالحة خطوات الى الوراء،وسيستمر الطرفان في إدارة الإنقسام والعمل على شرعنته وتعميقه،وهذا مرضي وحيوي للطرفين.

إنهاء إنقسام بحاجة الى إرادة سياسية،إرادة تغلب المصالح العليا للشعب الفلسطيني على المصالح الفئوية والحزبية الضيقة،إنهاء الإنقسام بحاجة الى قيادات جريئة تتحرر من التدخلات الخارجية والأجندات غير الفلسطينية،قيادة قادرة على القول لا مصلحة فوق مصلحة الشعب الفلسطيني،فهي قد تحقق منافع ومكاسب آنية لها ولما تمثله،ولكن ستكون على المستوى الإستراتيجي الخسارة كبيرة،ضياع القضية الوطنية وتفكك المشروع الوطني،بدون ان يتم حسم النهج والخيارات،وبدون ان يجري عليها توافق وطني وفصائلي ومجتمعي وجماهيري،سنبقى كمن يخض الماء من اجل الحصول على زبد،لن نحصل ابدأ على الزبد،فالمفاوضات تثبت في ارض الواقع وبالملموس،بأنها خيار عقيم وبائس لن يقودنا الى تحقيق ولو الحد الأدنى من الحقوق المشروعة لشعبنا في دولة فلسطينية مستقلة على كامل الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس،بل هذا النهج يجري ويتواصل،وبما يسمح للمحتل ان يواصل مشاريعه ومخططاته في تهويد الأرض واسرلة السكان،وممارسة كل أشكال التطهير العرقي بحق شعبنا الفلسطيني،فلا إستيطان توقف لا في القدس ولا في الضفة،ولا حتى الإقتحامات والإعتقالات والإغتيالات في المناطق التي يقال بأنها تخضع لسيطرة السلطة كاملة،مناطق(ا)،وبالتالي فرض الإحتلال للوقائع والحقائق على الأرض،يستمر وكان هناك موافقة ضمنية من السلطة على ذلك.

وبالمقابل من يتمسكون بخيار المقاومة،هم أيضاً لم يحققوا إنجازاً حقيقياً في هذا الجانب،على الرغم من اهمية التمسك والتشبث بهذا الخيار،حتى لو كانت الممارسة موسمية،ونحن سرنا نتلمس بأن هناك من هو مستعد لقمع المقاومة وضربها في سبيل الحفاظ على مصالحه وسلطته،تحت يافطة وذريعة الحفاظ على المصالح العليا للشعب الفلسطيني.

نحن امام كارثة حقيقية لا نتعامل مع قضايانا المصيرية بجدية عالية،فالمرحلة التي يمر بها شعبنا حالياً،اخطر من أي مرحلة سابقة،فالمطلوب ليس لا رأس الزعيم الفلاني او العلاني،وليس مطلوباً بان من يقامر بحقوق الشعب الفلسطيني،ومن ثم يلجأ لخطة تكتيكية هنا أو هناك لتحسين شروط التفاوض ان نصفق ونغني له.

المطلوب رأس المشروع الوطني،المطلوب شطب حق العودة نهائياً،المطلوب تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي،ولذلك بات من الملح والضروري ان تكون احزابنا وفصائلنا على مستوى الحدث والمؤامرة،ولذلك الدعوة الى عقد المجلس المركزي ودعوة حماس والجهاد لحضوره،يعني بان هذه جهة مقررة للشعب الفلسطيني،يجب أن تحترم قرارتها وما يجري الإتفاق عليه،يجب ان يكون ملزماً للجميع،فنهج قولوا ما تشاؤون وانا أفعل ما اشاء قادنا الى الدمار،ومن يخرج عن تلك القرارات أي كان فلا شرعية له،ويجب ان يستوعب جيداً بانه لا يقرر بالنيابة عن الشعب الفلسطيني،أو يغتصب شرعية تمثيله،فهذا يدخلنا في اتون الحروب الداخلية والإقتتال.

الهجوم الإسرائيلي – الأمريكي على شعبنا،يتسلح ويستقوي بحالة الضعف والإنقسام الفلسطيني،وكذلك حالة الإنهيار العربي غير المسبوقة،حيث ان عدداً من الأقطار العربية،أخذت علاقاتها وتنسيقاتها وإتفاقياتها مع دولة الإحتلال تخرج الى العلن،وهي تشارك معه ومع امريكا بالضغط على الشعب الفلسطيني وقيادته،وتبتزها من اجل الموافقة على مشاريع تصفية القضية،وفي المقدمة منها الإعتراف بيهودية الدولة،وانا هنا أقول بان اي اتفاق مع دولة الإحتلال توافق فيه السلطة الفلسطينية على إسقاط الجنسية الإسرائيلية عن أسرى الداخل،سيكون مقدمة وترجمة عملية لشعار يهودية الدولة وتبادل الأراضي.

المصالحة وإنهاء الإنقسام،يجب ان تكون مستندة الى برنامج سياسي واستراتيجية موحدة تتوافق وتلتف حولها كل ألوان الطيف السياسي والمجتمعي والشعبي الفلسطيني،وهي قضايا جوهرية واستراتيجية،وليست قضايا ذات طابع تكتيكي وإستخدامي لخدمة هذا الطرف او ذاك،فخطر الإنقسام يوازي خطر اوسلو،إن لم يكن اكثر،فكلاهما يقسم ويفصل الشعب الفلسطيني،ويشرع الإنقسام والإنفصال.