حاولت أن اقتنص القليل من الوقت لسؤال ابنتي الصغرة عن الدراسة والمدرسة، وعندما اقتربنا من الحديث حول علاقتها بزميلاتها بادرت بتقديم النصيحة بأن تحافظ على علاقات صداقة مع الجميع، لم أكن أتوقع أن نصيحتي ستدخلني قي جدل مع ابنتي الصغيرة، قاطعتني الصغيرة قائلة: ابن الرومي يقول غير ذلك، حيث يدعونا لعدم الاكثار من الأصدقاء، سألتها وماذا يقول ابن الرومي في ذلك؟، سارعت باحضار كتابها في اللغة العربية للصف الرابع الابتدائي وأخذت تنشد أبيات ابن الرومي :
عدوك من صديقك مستفاد... فلا تستكثرن من الصحاب
فإن الداء أكثر ما تراه ... يكون من الطعام أو الشراب
إذا انقلب الصديق غدا عدواً ... مبيناً والأمور إلى انقلاب
ولو كان الكثير يطيب كانت ... مصاحبة الكثير من الصواب
من الطبيعي أن يحتل كلام ابن الرومي مساحة التفكير لديها، ولن ينازعه في ذلك كلامي مهما حاولت أن ابرهن لها غير ذلك، خاصة وأنها في مثل هذا العمر لا تخضع ما تسمع إلى التحليل والتمحيص، بل تتعامل معه بإعتباره حقيقة لا يدنوها الشك، والمؤكد أن الموضوع لن يخضع في الحصة الدراسية للتقييم والاستماع لوجهات النظر المغايرة.
وجهة نظر ابن الومي تلقفتها البنت الصغيرة على أنها حقيقة غير قابلة للنقاش، وكان من الواضح أن الخوض في نقاش معها حول ذلك لن يخرج عن دائرة النقاش البيزنطي، انسحبت الأبنة الصغيرة حاملة معها حقيقة ابن الرومي، فيما حاولت أن أعيد اسقاط الزمان والمصائب التي حلت بإبن الرومي وشكلت رؤيته الغير تصالحية مع المجتمع، المؤكد أن الأزمات المتلاحقة التي مر بها ابن الرومي، التي بدأت بوفاة والده ووالدته ثم أخيه الأكبر وخالته ومن بعدهم زوجته وأولاده الثلاثة، قد تركت اثراً في تركيبته النفسية، ولم يقتصر الأمر على قدر الموت وهو يتلقف افراد اسرته بل اضاعته لثروته التي ورثها عن والده شاركت في صياغة فلسفته في الحياة، كل ذلك جعل من ابن الرومي حاد المزاج معتل الطبع ولم يكن محبباً إلى الناس، بل نجد في شعره ما يؤكد على اضطراب تفكيره المتعلق بعلاقته مع المجتمع المحيط به.
قد يكون ابن الروم أكثر الشعراء الذين تنقلوا بشعرهم بين المديح والهجاء، ولم يستند في مديحه وهجائه إلى مبررات منطقية بقدر ما كانت المزاجية والعصبية لديه هي من تمسك بناصيته في ذلك، فكثيراً ما نظم الشعر مديحاً بشخص لا يلبث أن يطيل الهجاء له، ولعل هذا ما دفع الوزير أبو الحسن القاسم وزير الخليفة المعتضد إلى دس السم له في الحلوى كي يتقي ما ينضح به لسانه من هجاء قادم لا محالة بعد أن نظم الكثير في مديحه.
إن كان شعر ابن الرومي جعله في مصاف الشعراء العظام، فلا ينبغي أن يمثل ذلك بوابة نلج من خلالها إلى تضمين المنهاج الدراسي للصف الرابع الابتدائي لأبيات شعره التي تحمل طابع الحكمة في تحديد العلاقات المجتمعية، خاصة في ظل تغييب الأحداث والدوافع التي شكلت نظرته للمجتمع، وتأتي اليوم حكمة ابن الرومي وكأنها تتصارع مع التقنية التي وصل إليها العالم التي تفسح المجال لخلق صداقات تتجاوز الحدود الجغرافية.