الضعف الإنساني هو سمة ملازمة للطبيعة البشرية منذ بدء الخليقة. لذا ومنذ العصور القديمة والإنسان يبحث ، وبشكل فطري،عن الإرادة العليا لتضيء له المجهول ، لتبث فيه روح الصمود أمام مخاوفه ، لتمنحه المدد ... لينتصر على عدوه الظاهر والباطن... ولينتصر على هواه وعلى ضعفه النفسي.
فالإنسان لا يثق بنفسه كما يثق بالإرادة العليا ، ولذا كان يبحث عنها حتى في أوج ضلاله ... يستجدي حضورها ... يتقمصها ... أو يخلعها على أحد الشخوص ... وإن لم يجد شخص يتلبسها "أي الإرادة العليا" ... راح ينحتها بيديه ... ويذبح لها القرابين لتحضر بكامل قوتها معه !!!
كان أهل الجاهلية القدماء يبحثون عن صندوق ولو من حجر... يضعون فيه أمانيهم ، يفتشون عن زعيم يقهر شيطان مخاوفهم ويعلقون قصائد الانتصار برقبته ويهرقون الدماء.... ويقدمون ذبائح القُربى والشكر على قدميه... ليستجيب لهم ولتتحقق أمانيهم وأحلامهم .
ولو قارنا الجاهلية القديمة بجاهلية العصر الحديث ... لوجدناها جاهلية راقية رغم بداوتها الفظة والغليظة .... وأسلوبها الدفاعي عن النفس ...ولوجدناها أكثر رجولة ووعيا ومروءة ....
كانوا يخبئون مخاوفهم في إله يصنعونه بأيديهم ... ولو من عجوة ....
يبثون عبره رسائلهم للغيب .... ويبكون على قدميه ليقربهم إلى الإرادة العليا المطلقة ... زلفى....
حتى إذا هدأت نفوسهم .... وتضورت بطونهم من الجوع ولم يمنحهم اله العجوة شبعا ولا أمنا ... أكلوه وأكلوا معه مخاوفهم وأمانيهم ... وواصلوا حياتهم بدون إرادة عليا أو دليل في الحياة... سوا إرادتهم ولو كانت على غير هدى . كانوا أصحاب إرادة !!
لكننا وفي جاهلية العصر الحديث نصنع أصنامنا بأيدينا ...
نحملهم زعماء على أكتافنا ليحررونا ... فنجدهم قد صادروا حريتنا واستعبدونا ...!!
عشرات الأحزاب صنعناها بأيدينا ورويناها من دم أبنائنا المسفوح على أقدام راياتها ... لتحرر الأرض والإنسان ... فإذا بالأرض تضيع ويضيع معها الإنسان بلا وطن وبلا عنوان ...!!
في جاهلية العصر الحديث ...
وضع الناس في صندوق الانتخابات أحلامهم وأمانيهم كما وضع أهل الجاهلية القدماء أحلامهم بإله ٍٍ من عجوة ...
لكن عربنا القدماء كانوا أكثر وعيا منا ... لما جاعوا أكلوا أصنامهم التي لم تحقق أمانيهم ولم تدفع عنهم ضرا ولم تجلب لهم نفعا ...
ونحن .... يا لبؤسنا ... بعدما صنعناها بأيدينا ...
أكلتنا أصنامنا !!!
بقلم د/ عصام مرتجى - غزة 16/04/2014