يعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية بداية الاسبوع القادم اجتماعه في ظل ظروف حرجة تنبأ بالوصول إلى فشل المفاوضات؛ بعد تنكر الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لأسس عملية السلام التي انطلقت قبل ربع قرن، وبات المراهنة على المفاوضات وحدها بشكل كلي لا يصب في المصلحة الوطنية الفلسطينية. وكذلك فشل انهاء الانقسام وتوحيد النظام السياسي الفلسطيني.
يشبه هذا الاجتماع في ظروفه انعقاد ذات المجلس في تشرين أول من العام 1993 الذي قضى باتخاذ خطوة "تاريخية" أو انعطافة ذات دلالات هامة على صعيد العمل الوطني وطرق عمل منظمة اتحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية والسياسة المتبعة من قبل المنظمة. تمثلت هذه الخطوة بإنشاء السلطة الفلسطينية بعد الموافقة على اتفاقية اعلان المبادئ "أوسلو".
تؤسس الظروف المرافقة لعقد اجتماع المجلس المركزي في السادس والعشرين من هذا الشهر لإجراء تحولات جدية وذات دلاله في مسار العمل الوطني وطرق العمل ووسائله على صعيدين الاول المعركة الوطنية ومواجهة الاحتلال الاسرائيلي، والثاني: البناء الوطني والديمقراطي.
(1) وسائل العمل والمعركة انهاء الاحتلال
كشفت الخطوة التي اتخذها الرئيس محمود عباس بداية الشهر بالمصادقة على 15 عشر اتفاقية دولية وقبلها رفع مكانة فلسطين الى دولة في الامم المتحدة في العام 2012 مؤشرات هذا التحول والتأسيس لمرحلة جديدة. هذا بالإضافة الى التحول في وسائل العمل الوطني الشعبي بتطوير أساليب نضالية تتمثل بالمقاومة الشعبية السلمية من مقاومة الجدار الى المقاطعة الاقتصادية بما فيها حركة المجتمع المدني الفلسطينية لمقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها.
مما يتطلب وجود استراتيجية فلسطينية واضحة المعالم لاستكمال هذه الخطوة بالانضمام لمؤسسات الأمم المتحدة واتفاقياتها بشكل متدرج ومتصاعد وفقا لأوليات العمل الوطني والقدرة على الايفاء بمتطلبات والتزامات تلك الاتفاقيات والمعاهدات والمؤسسات الدولية من جهة. وخلق التناغم والانسجام ما بين مسارات العمل الوطني والشعبي المتعددة والمختلفة والمتوازية من جهة ثانية.
فمعركة التأييد الدولي تحتاج الى الفعل والقوة والقدرة على الاقناع بأدوات ذات مصداقية. فلكل مرحلة أدواتها النضالية وأشكالها، والمرحلة المقبلة تحتاج الى تناغم المسارات المتوازية في العمل والفعل، ضمن اتفاق وطني وبرنامج وطني يعظم مكامن القوة ويقلل من الخسائر المفترضة، لتحقيق تكامل الاداء من خلال وجود آليات ضامنة لخلق التوافق على الاشكال النضالية ضمن المساحات الممكنة في نفس الوقت المكرسة لحقوق الشعب الفلسطيني ومحاصرة الاحتلال الاسرائيلي في كافة الامكان وجميع الصعد الاقليمية منها والدولية دون هوادة في معركة التحرير مستلهمين من تجارب الثورات العالمية الاساليب والوسائل الاكثر قدرة على تعزيز التضامن الدولي والصمود المحلي.
فالتناغم هنا ما بين مسارات الفعل النضالي المختلفة المتمثلة بتكريس أمر واقع على المستوى الدولي بالانضمام الى المعاهدات الدولية والمؤسسات الدولية، وتفعيل المقاومة الشعبية بما فيها أو على رأسها المقاطعة الشاملة للاقتصاد الاسرائيلي، وتعزيز حركة المقاطعة الدولية للحكومة الاسرائيلية ومستوطناتها، واختراق "التواصل" المجتمع الاسرائيلي لتعظيم الحركة الاسرائيلية المناهضة للاحتلال، واستثمار قدرة أو حالة "الردع" لصواريخ قطاع غزة، باعتبارها مكامن قوة يمكن الارتكاز اليها في أي عملية تفاوضية مستقبلية مع الاحتلال الاسرائيلي لكن دون التخلي عنها بل هي تسير بشكل متوازي لخلق تكاملية في الفعل والأداء.
(2) البناء الوطني والديمقراطي ... المجلس التأسيسي مدخلا
انعقاد اجتماع المجلس المركزي هذه المرة ربما الفرصة الاخيرة لهذه المؤسسة لتأكيد مكانتها بتحقيق انعطافة أو اجراء تحول جوهري في البناء الوطني عبر قواعد ديمقراطية أو التأسيس لحالة صحية في هذا البناء في ظل الوقوف على اعتاب مرحلة جديدة في العمل الوطني مما تتطلب من المجلس المركزي ، لزاماً، أخذ زمام المبادرة لإنهاء الانقسام وتوحيد البناء الوطني، لاستكمال مرحلة التحرر الوطني، آخذا بعين الاعتبار التطورات الحاصلة على القضية الفلسطينية ومؤسسا لقواعد العمل الوطني الداخلي المستقبلي.
تفيد تجربة حركات التحرر أن الجبهة الوطنية الموحدة هي الاساس في تجميع قوى الثورة على اختلاف توجهاتها الايديولوجية والفكرية والعقائدية دون خوض انتخابات لتحديد حجمها ومكانتها داخل الجبهة بل القبول "بالتوافق" في اتخاذ القرار والتوجه مما اكسبها الشرعية الثورية. لكن الوضع الفلسطيني وفقا للتغييرات التي جرت في الحالة الفلسطينية أحدثت تحولا في آلية انتاج الشرعية، من خلال الانتخاب، لهذه القيادة.
وفي نفس الوقت، أصبحت القيادات الفلسطينية جميعها تفتقد للشرعية بعد تجاوز المدد والآجال القانونية للعملية الانتخابية من ناحية. كما أن الفشل المتكرر لمحاولات إنهاء الانقسام رغم التوقيع على اتفاق القاهرة ومن ثم "بروتوكول الدوحة" ومارثون الحوار الفتحاوي الحمساوي الطويل، الذي تخلله ومضات أو التحاق الفصائل الاخرى، أصبح مكلفا ماليا ومرهقا وطنيا من ناحية ثانية. وأضحى القيام بعلاجات مؤقتة كتعيين نائبٍ للرئيس أو اجراء تعديلات على القانون الاساسي غير ممكن ولا تشفي الجروح الدامية في جسد النظام السياسي من ناحية ثالثة. وباتت العودة الى نفس المؤسسات المنتجة وفقا لاتفاق اوسلو غير ممكنٍ بعد رفع مكانة فلسطين الى دولة في هيئة الامم المتحدة من ناحية رابعة.
هذه التحولات تضع الخيارات محدودة أمام المجلس المركزي في جلسته القادمة وربما تضعه أمام خيار وحيد لمعالجة انقسام جسم النظام السياسي الفلسطيني بالذهاب الى انتخاب مجلس تأسيسي مهمته اعداد دستور دولة فلسطين وإدارة الحكم لمرحلة انتقالية قصيرة لعام أو عامين فقط. هذه الخطوة لا تقطع تماما مع الخلف لكنها خطوة تؤسسا لمستقبل أو لخارطة مستقبل للفلسطينيين.