"إجتماع طارئ لمجلس وزراء إسرائيل الأمني لبحث الرد على المصالحة الفلسطينية"... "واشنطن وتل أبيب: المصالحة بين فتح وحماس تعرقل مساعي السلام؟"... عنوانان بارزان لخبرين كانا قد أسعداني واثلجا صدري كان موقع BBC قد نشرهما في موقعه الالكتروني عقب الإعلان من غزة الصمود والشمم عن إنهاء الإنقسام الفلسطيني الذي أوجع صدورنا وصدّع لنا رؤوسنا سنين عجاف، وتفعيل المجلس التشريعي واتفاقيات المصالحة السابقة، والشروع في تشكيل حكومة فلسطينية وطنية من التكنوقراط قبل نهاية يونيو/حزيران المقبل وإجراء انتخابات قبل نهاية العام.
جملة من التساؤلات لابد من التبحر بها والإجابة عنها:
ما الذي أزعج الولايات المتحدة الأمريكية وأفزع حكومة تل أبيب من جلوس أشقاء الدار والمصير في غزة المحاصرة للبحث في أمر يعنيهم ويعني مستقبل أجيالهم القادمة!؟، وما الذي يُستشف من إعراب واشنطن عن خيبة أملها من اتفاق المصالحة الذي وقعه شركاء الدار والمصير!؟، ثم ما الذي يُـفهم من إلغاء حكومة النتن ياهو جلسة كانت مقررة يوم الأربعاء والدعوة لعقد جلسة طارئة لحكومته المصغرة في اليوم التالي لبحث الرد على اتفاق المصالحة الفلسطينية!!؟، وأخيرا وليس آخرا... ما الذي يُستنبط مما قاله "أوفير جندلمان" المتحدث باسم نتنياهو من أن على الرئيس الفلسطيني أن يختار بين المصالحة مع حماس والسلام مع إسرائيل، وأنه لا يمكنه اختيار سوى أمر واحد لأن هذين الخيارين متوازيان لا يلتقيان!!؟.
والإجابة يسيرة ولا تحتاج لعميق تفكير أو عظيم تدبير، فهي ببساطة شديدة تعني فيما تعنيه فزع صهيوأمريكي من تداعيات ذاك اللقاء الأخوي التاريخي وما قد ينتج عنه من تداعيات يخشونها كوأد الانقسام وإعادة توحيد الصف الفلسطيني المتشظي، إنها الخشية من عودة الوعي السياسي الفلسطيني لقادته وأولي أمره وساسته وإعادة القضية الفلسطينية من جديد إلى مسارها الصحيح الذي انحرفت عنه طيلة عقدين من الزمن، (لاسيما في ظل تخلي الأنظمة العربية عنها!!)، وإنها لعمري لمؤشر كبير وواضح على أن المشروع الصهيوني المسنود أمريكيا لا يحقق أهدافه الخبيثة إلا من خلال بيئة فلسطينية منقسمة على ذاتها.
نرفع أكفنا متضرعين إلى الله العزيز القدير أن تصدق النوايا هذه المرة، فتكون هذه المصالحة خاتمة أحزان أبناء فلسطين، ونهاية لتشظي سياسييهم وقادتهم وافتراق كلمتهم، وان يكون الدافع الحقيقي والصادق اليها هو تحول استراتيجي مشترك نحو الالتزام بالمصلحة الوطنية العليا، وإعادة ترميم الدار الفلسطينية.
نرفع أكفنا إلى البارئ عزّ وجلّ ألا يكون اللقاء الذي جمع قيادات فتح وحماس وباقي الفصائل الفلسطينية ورقة تكتيكية لتحقيق اهداف سياسية فصائلية ضيقة عند هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك، سواء على صعيد المفاوضات التي وصلت الى نهاية الطريق المسدود مع حكومة تل أبيب، او الوضع السياسي لحركة حماس في ضوء علاقاتها المتأزمة مع الشقيقة الكبرى مصر بغض النظر عما يجري في القاهرة من انقلاب على الشرعية الدستورية!!.
ختاما أقول قولتين:
أولاً... لقادة دول الخليج العربي الغنية تحديدا...
نعلم يقينا أن واشنطن "حليفة الكيان الصهيوني" لن تقف مكتوفة اليدين، وأنها ستعمل جاهدة لإجهاض حلم المصالحة الفلسطينية ووأد الفتنة، من خلال ممارستها لضغوط سياسية ومالية والتضييق على قيادة السلطة الفلسطينية، وكما رأيناكم أيها القادة العرب تنثرون مليارات الدولارات هنا وهناك في قضايا بعضها يدل على الترف والغيّ والإسفاف، وسمعناكم كثيرا وأنتم تنادون بنصرة الإسلام والمسلمين وإعلاء شأنهم والذود عن قضاياهم، فإنني والله وتالله وبالله لا أجد أقدس وأنبل من أن تمدوا يد العون لقضية العرب والمسلمين الأولى، فتنتشلوا أبناء فلسطين من ضائقتهم المالية، ليتجاوزوا محنة المؤامرات الأمريكية الصهيونية، وتذكروا بإن الله سيحاسبكم إن قصرتم في ذلك ولو بعد حين، وتذكروا قولة الله تعالى في محكم آياته: بسم الله الرحمن الرحيم "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ"...(الحديد:20).
ثانيا ... أيها القادة الفلسطينيون ...
بالله عليكم، أغيظوا الأمريكان وبني صهيون بلقائكم ومحبتكم وتوادكم وتراحمكم وتصالحكم، وتذكروا ما جاء في محكم آيات الله البينات، بسم الله الرحمن الرحيم "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ"... ( البقرة: 120).