كشفت ردود الفعل الاسرائيلية الغاضبة والمتوترة , على توقيع المصالحة الفلسطينية في غزة , عما يتمتع به القادة الاسرائيليون من غباء سياسي , ستكون له العواقب الوخيمة على دولة الاحتلال , التي طالما تحجج قادتها بأن الانقسام الفلسطيني ووجود كيانين وحكومتين في الضفة الغربية وقطاع غزة , لا يمكن أن يؤسس لقيام سلام في المنطقة وحل للقضية الفلسطينية وإنهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي , وأن الرئيس محمود عباس الذي يفاوض اسرائيل من رام الله , لا يمثل كل الفلسطينيين , لأن حركة حماس تقيم حكومتها في غزة وتمثل الشعب الفلسطيني هناك , وعندما وقع اتفاق المصالحة في غزة بين فتح وحماس, سارعت اسرائيل إلى انتقاد ذللك , والهجوم على الرئيس محمود عباس , واتهامه بالتحالف مع الارهاب , وأنه " ليس ذي صلة " بالتعبير الاسرائيلي الممجوج , عند كل وقفة للرئيس في مواجهة التعنت الاسرائيلي , ورفضه تقديم أي تنازلات في المفاوضات .
بالأمس كانت اسرائيل تقول إن ( أبو مازن ) لا يمثل كل الفلسطينيين , لذلك ترفض التوصل معه لاتفاق سلام , لأن هناك فلسطينيين سيعترضون ويعرقلون السلام , وعندما يتم الاعلان عن اتفاق لتوحيد الفلسطينيين خلف قيادة الرئيس عباس , ويبدأ المشاورات لتشكيل حكومة تكنوقراط من الكوادر والكفاءات الفلسطينية , لن يكون أي مسؤول من حركة حماس عضوا فيها , تسارع اسرائيل بالتهديد والوعيد , وتدعو بالويل والثبور , و" ترقع بالصوت " – على رأي صديقي عدلي صادق – أن " الحقوني " , عباس يتحالف مع حماس لتدمير اسرائيل .
يذكرني موقف حكام اسرائيل هذا بالضيف وصاحب البيت البخيل , وبتطبيقه المثل القائل " صحيح لا تكسر , ومكسور لا تاكل , وكول حتى تشبع " . فهي ترفض السلام معنا لأننا متفرقون , وفي الوقت نفسه ترفض أن نكون متوحدين , وتقول إنها تريد السلام مع الفلسطينيين و" ياسلام سلم ياسلام على سلامهم ياسلام " , على رأي الراحل وديع الصافي.
اسرائيل التي فاوضت حركة حماس في القاهرة برعاية مصرية بحضور الامريكان , أيام حكم الاخوان , في شهر نوفمبر عام 2012 , من أجل وقف اطلاق النار , وإعلان " المهادنة " وهي من أخوات المصالحة في المعنى والوزن والقافية , وتوقع اتفاق " وقف الاعتداءات" المتبادلة مع المنظمات " الارهابية " في قطاع غزة , من أجل المصلحة الاسرائيلية , ترفض اليوم عقد اتفاق المصالحة بين الأشقاء , بعد أن وقعت الاتفاق بين الأعداء , لذلك فإن القول المأمون أن اسرائيل هي من سعى إلى الانقسام الملعون , وتثبت ذلك اليوم بعد ثورتها وغضبها المجنون , أنها تسعى لبقاء الانقسام , وتدعو أن يبقى أبناء الشعب الفلسطيني نيام , حتى لاتقوم لنا قائمة , وتتمنى على المصالحة ألا تدوم , وعلى الوحدة بين الفلسطينيين ألا تقوم.
المراقبون " الفاهمون " في اسرائيل , يرون أن في المصالحة الفلسطينية مصلحة اسرائيلية , وأن القائمين على الحكم في دولة اسرائيل يمارسون السياسة بغباء واستعلاء , فالرئيس عباس الذي يمارس السياسة بدهاء وكياسة , ويسعى لاقامة دولة لشعبه إلى جانب دولة اسرائيل , سيتولى بعد المصالحة مسؤولية غزة مثل رام الله , وهو صاحب نظرية رفض العنف الفلسطيني , ويصف الصواريخ المنطلقة من غزة بـــ " العبثية " , وسيعمل على منعها بعد المصالحة , من أجل مصلحة الشعب الفلسطيني , الذي عانى خلال سنوات الانقسام من الحروب والقتل والحصار , ولذلك على اسرائيل أن تعي أن المصالحة الفلسطينية هي مصلحة اسرائيلية , مثلما هي مصلحة فلسطينية .