المصالحة "بلكي بتزبط" .... الهباش والدم الفلسطيني

بقلم: جهاد حرب

(1)  الهباش والمساواة بالدم

صحيح ما ذهب اليه وزير الأوقاف والشؤون الدينية د. محمود الهباش من الناحية العلمية، وفقا لعلم الاحياء، بأن الدم لبني البشر يتشابه، فهو واحد سواء في اللون والتركيبة، كما أن الخالق هو واحد؛ هو الله الذي جعلنا "شعوبا وقبائل" بنفس لون الدم فلم يجعل شعوبا لها دماً أزرقا وأخرى أحمرا،  فهذا الامر بالتأكيد لا خلاف عليه.

تكمن الاشكالية في تصريحات الوزير الهباش في السياسة أكثر منها في علم الاحياء، فمن ناحية هل يمكن المساواة ما بين الضحية والقاتل أو شعب تحت الاحتلال وقوات الاحتلال؟ وهل يمكن مطالبة وزير الاديان الاسرائيلي مثلا أن يساوي ما بين دم اليهود الذين تعرضوا للمذابح على يد النازية ودم النازيين مثلا؟. بالتأكيد ليست مهمة وزير الاوقاف والشؤون الدينية العمل المخبري بل هي من مهام وزارة الصحة التي تمتلك العلم والمختبرات اللازمة لتحديد نوع الدم وتركيبته وحتى لونه ومدى التشابه.

ومن ناحية ثانية لا يمكن استنكار وسيلة أو اسلوبا للمقاومة المشروعة المقرة بالعهود والمواثيق الدولية في مقاومة الاحتلال في الاراضي المحتلة، وإن اختلافنا على هذه الوسيلة داخليا، وإلا سيكون ذلك تجريما لتاريخنا ونضالنا في مواجهة الاحتلال وجيشه وقطان مستوطنيه.

ومن ناحية ثالثة يطرح لقاء وزير الاوقاف مع صحفيين اسرائيليين مسألة الدور التي تقوم به وزارة الاوقاف وهدفها من مخاطبة الجمهور الاسرائيلي، وكذلك انخراط أو مدى انخراط وزارة الاوقاف في الاستراتيجية الفلسطينية لاختراق المجتمع الاسرائيلي سياسيا وبالتأكيد ليس دينيا، أم أن هذا دور فردي للوزير الذي يتحمل المسؤولية التضامنية مع زملائه في الحكومة. مما يتطلب توضيح دور وزارة الاوقاف والشؤون الدينية في لجنة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي.

في العمل العام "السياسي والحكومي"، يجوز الاعتذار في حال زلة لسان أو الاتيان بفعل لا يحظى بقبول المواطنين وحتى لو شعر مواطنا واحدا بذلك، تجسيدا لفكرة أن المسؤولين العامين هم خدما لشعوبهم ومساءلين أمامه، كما يجوز التراجع عنه دون اضرارٍ بشعور المواطنين.

(2) المصالحة "بلكي بتزبط"

شهد هذا الأسبوع احتفالا جديدا بالمصالحة، وتوقيعا جديدا لاتفاقية أو بروتوكول لتنفيذ اتفاقيات المصالحة السابقة. في هذه المرة تبدو مؤشرات ايجابية على امكانية نجاح أو تنفيذ الاتفاق مع الادراك للعقبات الكثيرة التي يمكن أن تعترض انهاء الانقسام منها؛ صعوبة انجاز الملفات المدرجة في اتفاق القاهرة للمصالحة، والتكلفة المالية لها، ناهيك عن الرفض الاسرائيلي للوحدة الفلسطينية والخبث الامريكي "فالمصالحة بنظرتهم مخيبة للآمال"، وكذلك الشروط الدولية لالتزامات الحكومة القادمة.

لكن المؤشرات الايجابية تكمن في وصول الاطراف الفلسطينية "حركتي فتح وحماس" الى قناعة أن مساريهما الوحيدين غير مجديين، فلا مفاوضات ناجعة ولا مقاومة فاعلة، بالإضافة الى التحولات الاقليمية المتسارعة التي كشفت عدم قدرة حركة حماس على التقدير أو كما يقال "لعب السياسة" من فك تحالف الممانعة الى انهيار نظام الاخوان المسلمين في مصر، ومن ثم غياب التقدير لحجم دولة قطر "العظمى" وإمكانياتها بمواجهة تحالف الكبار مصر والسعودية، بالإضافة الى الصعاب الاقتصادية والمالية لحركة حماس وحكومتها في قطاع غزة.

في المقابل حركة فتح وقيادة السلطة الوطنية التي رهنت حالها للمفاوضات بدت غير قادرة على تبرير مواصلتها في هذا المسار أمام شراسة الاستيطان وتهويد مدينة القدس، ناهيك عن ائتلاف حكومي اسرائيلي لا يعترف بوجود الشعب الفلسطيني أصلاً، وأقصى ما يطرحه هو حكم ذاتي لكانتونات متناثرة مغلقة ومحصورة بقوات جيش الاحتلال ومستوطنيه، وإدراكها أن مواصلة هذا المسار منفردا أو وحده غير قادر على انهاء الاحتلال.

مصلحة الحركتين "فتح وحماس" تقضيان بالذهاب الى المصالحة التي هي بالأساس مصلحة وطنية عليا للمحافظة على الكينوة الوطنية للشعب الفلسطيني، وهي تتماهى مع مصلحة الشعب الفلسطيني لكن هذه المرة ينبغي النظر بعمق وجدية للمخاطر التي تنتظر الشعب الفلسطيني لأية نكبة أو نكسة جديدة في انهيار المصالحة. كما أن سلوك الطريق الوعر "المصالحة" المحفوف بالمخاطر يتطلب أيضا النظر إلى أن الترحيب الدولي بها مشروط بمواصلة المفاوضات باعتبارها خياره، والتزام الحكومة العتيدة "حكومة حزيران" بالاتفاقيات الموقعة ونبذ العنف.