قال تَعَالَى : "تِلْكَ الدَّار الْأَخِرَة نَجْعَلهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْض وَلَا فَسَادًا } ." يَقُول تَعَالَى ذِكْره : تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَل نَعِيمهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ تَكَبُّرًا عَنْ الْحَقّ فِي الْأَرْض وَتَجَبُّرًا عَنْهُ وَلَا فَسَادًا : وَلَا ظُلْم النَّاس بِغَيْرِ حَقّ , وَلا عَمَلًا بمعصية اللَّه فِيهَا والبغي بغير حق ولقد مر بنا قطار العمر مسرعًا اليوم يطلبهُ اليوم والأسبوع يتلوه الأسبوع والشهرُ يتبعه الشهر والسنة تلحقها السنة، ها نحن يوم الخميس القادم يدخل علينا أول شهر رجب ليتلوه شعبان ثم رمضان؛ لقد مات أعظم رجل في التاريخ وأفضل البشرية على الإطلاق سيدنا محمد صل الله عليه وآل بيته وصحبه وسلم القائل: إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد وإن جلاؤها ذكر الله وتلاوة القرآن، ذهبت للقبر لأزورها فقلت لهم: أين المعظمُ وأين المُحتقر – لا مجيب— تساوى جميعًا فمات المُخبرُ ومات الخبر، نجري على الدار الدنيا وقد علمنا أن السلامة فيها ترك ما فيها- لا تركنن إلا الدنيا وزينتها فالموتُ حتمًا يُفنينا ويفنيها وانظر لدار غدً المسكُ تربتها والزعفرانُ حشيشٌ نابتٌ فيها- قورها ذهب والجار أحمدٌ،،، أيها الأخوة الكرام إنها ساعت صفاء ساعة تدبر في الدار الدنيا الفانية الزائلة الخائبة الخاسرة فلقد سماها الله عز وجل بالدار الدنيا لحقارتها ودونوِها وسفولها، لقد خربنا أخرتنا وعمرنا دُنيانا، والرسول صل الله عليه وسلم يقول :" والله ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار" نبكي عليها وقد شغلتنا أموالنا وأهلونا ومنا من شغله الفقر والأخر من شغله الغني والمال، ونسينا القبور وعمرنا الدور، والدار الأخرة هي أول منزل فيها القبر فهو إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار، والقبر أول منزل للإنسان من منازل الآخرة، فليعد كل إنسان العُدة لمنزلهِ، وجاء في الحديث الشريف:" عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :منْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ ، جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ راغمه ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ ، جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لهُ. " إن السعادة الحقيقية في الدنيا بمعرفة الله عز وجل وطاعته وعمل الصالحات فإن عرفت الله عرفت كل شيء، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:"ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما ترجع" أوضح مثل سافرت إلى الساحل، ركبت قارباً إلى أرواد، غمست أصبعك بماء البحر ورفعته، هذه الأصبع كم حمل من البحر؟ يمكن قطرة واحدة، القطرة هي الدنيا، والبحر هو الآخرة، البحر المتوسط، المحيط الهندي، المحيط الهادي، المتجمد الشمالي، الجنوبي، الأطلسي: وإن الذي لا يعمل إلا للدنيا فقط، وينسى الآخرة، الذي لا يدخل الآخرة في حساباته إطلاقاً أليس أحمقاً؟ أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً، الدنيا دار من لا دار له ولها يسعى من لا عقل له : قال تعالى﴿ وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾(سورة الضحى( الدنيا أمام الآخرة لا شيء، الدنيا دار من لا دار له، ولها يسعى من لا عقل له، علينا أن نستعد لدارنا الأخرة ونعمر دنيانا الحالية بعمل الصالحات والخيرات ونتقي الله فيما هو آت يغفر الله لنا ما قد مضي من السيئات – نسأل الله أن يختم حياتنا الدنيا على طاعته ومحبته وعلى قول لا اله الا الله.
الدكتور- جمال عبد الناصر محمد أبو نحل الكاتب والمحلل