العمال بين مطرقة التحرر وسنديان الفقر والبطالة

بقلم: سلامه ابو زعيتر

بسم الله الرحمن الرحيم
بمناسبة الأول من آيار :

انطلقت بعض المجتمعات العربية متمردة على كل أشكال الاستعباد والاستبداد والاضطهاد الذي مارسته النظم المتسلطة الجائرة على شعوبها، بأوامر النظم الرأسمالية المستعمرة، فخرجت الجماهير متحررة من كل القيود تنادي بالحرية، والعدالة الاجتماعية، والعيش الكريم، فتصدرت الميادين ورفضت أن يستمر هذا المستوى المتدني والمنحط من الحياة التي بالكاد يستطيع فيها الإنسان أن يتنفس وبصعوبة، فكان وقود هذه الميادين الشباب والعمال المتضررين، الذين دفعوا الثمن بقلوب مؤمنة بالحرية والكرامة والتضحية في سبيل المستقبل المزهر والحياة الكريمة لهم ولأبنائهم، فحّلموا بالحماية الاجتماعية من خلال توفير فرص عمل ونظم وقوانين تكفل حقوق الفئات الضعيفة، وتؤمن لهم العدالة في مستويات الحياة، كما تطلعوا إلى التغيير آملين أن ينالوا منه قسطاً من الراحة، ويجدوا ما يخفف الهموم والمعاناة والفقر والبطالة والمحسوبية في العمل والواسطة، آمنوا بالحرية كمصدر للاستقرار والأمن الوظيفي....
أضغاث أحلام في زمن يعيد نفسه على حساب العمال والفئات المهمشة الضعيفة، فمن تونس الخضراء وحرق البوعزيزي نفسه لعدم مقدرته على تغطية تكاليف الحياة لإنعدام فرص العمل، وإلى انتقال الثورة لكل أقطار الوطن العربي وتكرار المشهد، واشتعال المنطقة للتغيير بهدف حماية ومساندة الاكثر ضعفاً وفقراً، تحت شعارات تحررية ديمقراطية وإنسانية كثيرة، ولكن على أرض الواقع لم نسمع بخطط أو برامج تستهدف العمال أو تفكر باتجاه توفير السبل التي تخفف من معاناتهم أو تواجه أزمة البطالة والفقر بينهم، في ظل الغلاء الفاحش في الأسعار وتآكل الأجور، ومحدودية فرص العمل أمام الخريجين، فالحال من سيء إلى أسوء، والفرص تكاد تنعدم وأصبحت القضايا الاجتماعية في نهاية سلم الأولويات، وطغت قضايا وأولويات جديدة، فالواقع الجديد تنكر للحقوق الاجتماعية العمالية، لصالح القضايا الامنية والاستقرار السياسي، وتناسى الجميع أصل المشاكل التي دفعت بالمجتمعات للخروج ضد القائمين على النظم السياسية القمعية التي كانت تعيش رغد الحياة؛ والعمال والفقراء يملئون الطرقات والشوارع يتصارعون على كسرة خبز؛ حتى اتحدوا في مواجهة الجلادين، منتصرين لحقوقهم التي نادوا بها وتطلعوا للحصول عليها بالتغيير الثوري والتعاون لاستقرار الوضع وإنجاح الثورة، كما ومازالوا مستعدين للتضحية أكثر من أجل الوطن وحماية الحقوق، وحتماً اذا استمر الحال ستعود الثورة بثوب جديد وسيكون وقودها العمال وسيعلو الصوت ليعانق إرادة المظلومين بتحدٍ لكل المستغلين والمستبدين لتنتصر إرادتهم ويحققوا آمالهم بحياة أفضل، لذا يحتاج العمال للكثير من المتضامنين المؤمنين بعدالة قضاياهم وحقهم في الحياة الكريمة حتى تحقيق استقرار المجتمعات بشكل حقيقي ومقنع، فلا استقرار أو كرامة بدون كرامة العمال وحماية حقوقهم، فالعمال هم وقود أي ثورة، والهدف والوسيلة الفعالة لتنمية وتطوير وتحديث أي مجتمع، وإنكارهم وتجاهل حقوقهم، إنكار للوطن وللمستقبل، من هنا تأتي الضرورة الحتمية لدراسة واقعهم بشكل جاد، ووضع الحلول الجادة من خلال التعاون بفاعلية بين الأقطار العربية لتخفيف معاناة العمال، فقضايا البطالة والفقر تحتاج لتكاتف الجهود والتعاون بين كل الأشقاء في الوطن العربي لمساندة بعضهم البعض، بهدف مكافحة أمراض الفقر وتخفيف نسب البطالة وتحقيق التنمية المنشودة، وأعتقد جازماً بأن أي تعاون عربي في هذا الاتجاه سيسجل نصر للوحدة العربية ويضع بقوة حجر الأساس لمواجهة كافة الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية للعمال، والتي يمكن حلها بتوحد عربي أمامها، وبالعمل وفق خطوات ومنهجية مدروسة باتجاهها، فالتعاون والجهد المشترك يسهم في تخفيف حدة المشاكل ويساعد في البحث عن سبل جديدة ونوعية لعلاج القضايا التي تخص العمال وتطلعاتهم، فكفى تجاهلاً لقضاياهم واحتياجاتهم الحقيقة والملحة في الحاضر والمستقبل ، كفى تنكر لمستقبل الخريجين الذين يصطفون بالطوابير على المقاهي في كل أنحاء الوطن العربي مع خصوصية كل بلد عربي، فحتى اللحظة لا يوجد أي توجه جدي أو رؤية واضحة لإيجاد فرص عمل أو المساهمة في حل مشاكل البطالة التي تراكمت، متى يبدأ التفكير بالتشغيل لخلق فرص عمل؟، وتحسين الاجور ليستطيع العمال أن يحيوا حياة كريمة آمنة في ظل الغلاء، هل هناك أمل أن نجد خطط واستراتيجيات لتحسين واقع العمال؟، متى سيتوفر العمل والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية، والحرية التي تنشدها المجتمعات؟، سحقاً لزمن تقتل فيه الإرادة وتُسجن فيه الطاقات وتعلو فيه أصوات الخديعة والتملق على حساب الفقراء،.....وها هو يعود الاول من مايو - عيد العمال العالمي- ليجدد للذاكرة ولكل الهواة السياسيين رسالة مفادها أن الزمن تحطمت أوزاره أمام إرادة العمال وتحدياتهم، فسجلوا بتحدياتهم الكثير من الانتصارات على براثن الظلم والقهر الرأسمالي لحياتهم، ولن يستمر الصمت في هذه الايام !!!، فمن رغب بالمستقبل يجب أن يفكر بالعمال ومستقبلهم، فلا أمل أو مستقبل بعيد عن طموحاتهم، والمجد يبني لحظة نصر للفقراء والمهمشين، فاتقوا شر الطاقات الساكنة المنسية إن ثارت ......
ستستمر المعركة لحين انتهاء الظلم وتجسد العدالة في خدمة جميع شرائح المجتمع في كل مكان.
عاشت نضالات العمال...عاش الأول من آيار عيد العمال


• بقلم النقابي / سلامه أبو زعيتر
• عضو الامانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين