خلال تسعة اشهر من المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، اثير حديث جامح حول ما سمي (اتفاق الاطار) الذي تسعى الادارة الامريكية الوصول اليه بين الطرفين ، وكانت تنهال التوقعات من السياسيين الفلسطينيين والإسرائيليين وحتى العرب "اننا بصدد مفاوضات من نوع خاص سوف تنتهي بتوقيع ( اتفاق الاطار )."
وفي حين رأى بعض المراقبين السياسيين ان الطريق الى هذا الاتفاق هو مشروع تصفوي للقضية الفلسطينية ، لم يتوقع احد من هؤلاء ان المفاوضات التي (فشلت)، سوف تنتهي بتوقيع اتفاق آخر وهو (اتفاق المصالحة الفلسطينية الداخلية)، ولكن يبقى السؤال المطروح هو، هل ستعاود الادارة الامريكية العمل لاطلاق مفاوضات جديدة لتوقيع اتفاقها اليتيم ؟!
تيسير خالد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، يقول " انا لا اتوقع انطلاقة جديدة للمفاوضات في المستقبل القريب، بسبب الثمار المرة التي جناها الجانب الفلسطيني ، خلال اشهر المفاوضات التسعة التي مضت، والتي لم تقدم أي شيء للفلسطينيين لا على المستوى السياسي ولا الاقتصادي ولا الامني ".
ويضيف في حديث لـ"وكالة قدس نت للأنباء"، "البيت الابيض على قناعة اكثر من الخارجية الامريكية ان حكومة اسرائيل الحالية غير جاهزة لعملية السلام ، وبالتالي كل ما جرى خلال شهور المفاوضات عملية خداع وكذب على الجانب الفلسطيني ، وكل الوعود الامريكية قد تبخرت(..) الإدارة الامريكية ركزت على المسار الامني خلال المفاوضات، ووضع مقاربات تخدم المطالب الاسرائيلية فقط".
ويتابع " النتائج كانت مفزعة وكارثية على الجانب الفلسطيني خلال المفاوضات ، فالاستيطان ارتفع الى 123% عن معدله في العام السابق للمفاوضات ، واسرائيل اطلقت عطاءات خلال المفاوضات تجاوزت المألوف ، وبالتالي دفع هذا الامر القيادة الفلسطينية الى وضع ضوابط وطنية على أي استئناف لعملية المفاوضات من خلال الاسس الذي وضعها المجلس المركزي لمنظمة التحرير ".
ويؤكد تيسير خالد، ان" حكومة بنيامين نتنياهو تريد كسب الوقت وهي ابعد ما تكون عن عملية السلام" ، مشيرا الى ان نتنياهو ارسل بالأمس خلال مؤتمر صحفي عقده لعدد من الصحفيين الاجانب، رسالة الى الادارة الامريكية والاتحاد الاوروبي والراي العام الدولي مضمونها انه "بصدد تنفيذ خطة فك ارتباط ورسم حدود من طرف واحد".
وحذر تيسير خالد بالقول " اذا ما نفذ نتنياهو هذا الامر فإن الامور سوف تتجه نحو الانفجار ، ولذلك دعونا الى اعادة تقيم التعامل مع الاحتلال بصفته احتلال عنصري ، واعلنا اننا بصدد استكمال الذهاب الى مؤسسات الامم المتحدة ، لمحاسبة اسرائيل على جرائمها ، ونحن بحاجة الى خارطة طريق وطني نتقدم من خلالها خطوة جديدة نحو الاستقلال ".
من ناحيته، يرى طلال عوكل المحلل والكاتب السياسي الفلسطيني ، ان الإدارة الامريكية ادركت انها بحاجة الى شئ من الوقت لان الظروف غير ناضجة لمفاوضات ، والخلاصة الاساسية خلال الـ 9 اشهر الماضية ، ان اسرائيل غير مستعدة وناضجة لعملية السلام .
ويرجح عوكل متحدثا لـ"وكالة قدس نت للأنباء"، ان الضغوط سوف تمارس على اسرائيل في الفترة القادمة من مستوى معين ، ولكن سوف يستمر هذا الضغط بنفس الوقت على رأس الجانب الفلسطيني ، "حتى تبقي الاطراف في اطار اللعبة السياسية العامة ، والتي تمنع انتقالها الى مربع الصراع "، مشيرا الى ان الاتصالات سوف تستمر من تحت الطاولة .
من جهة اخرى ، يرى عوكل ان المصالحة الفلسطينية وجهت ضربة الى المخطط الاسرائيلي القائم على انشاء دولة فلسطينية في قطاع غزة وجزء من الضفة الغربية ، ومن هذه النقطة يتضح ان المفاوضات لا يمكن ان ينتج عنها تسوية تؤدي الى رؤية حل الدولتين .
ويقول عوكل "الأوروبيين والأمريكيين مقتنعين بهذا الامر، ولكن لا يسلمون من موقع تحالفهم مع اسرائيل ان اسرائيل هي من افشلت جهود المفاوضات خلال الفترة الماضية ".
ويؤكد ان "المصالحة الفلسطينية مثلت استفزاز كبير لدى اسرائيل ، لأنها خطوة اعتراضية بوجه المخطط الاسرائيلي "، متوقعا ان تستمر المصالحة في الجانب الفلسطيني ، بسبب وجود مباركة دولية بما في ذلك مباركة من الجانب الامريكي والذي لم يعارض المصالحة ولكن جدد شروط قبول التعامل مع الحكومة الفلسطينية القادمة ، بينما اكد الرئيس الفلسطيني ابو مازن انها (الحكومة) سوف تعمل وفق البرنامج السياسي لمنظمة التحرير التي اعترفت في اسرائيل.
لكن البروفسور والمراقب السياسي عبد الستار قاسم، يرى ان السلطة الفلسطينية سوف تعود للمفاوضات مرة اخرى لأنها لا تمتلك أي شيء تفعله ، في حين ان الجانب الاسرائيلي استفاد ويستفيد من المفاوضات ، بينما الجانب الامريكي له مصالح في المنطقة ولا يريد ان يدير ظهره لها ، وبالتالي يوجد احتمال كبير للعودة الى المفاوضات مجددا .
ويقول قاسم لـ"وكالة قدس نت للأنباء"، "ما يفعله الرئيس الفلسطيني، مجرد حرد سياسي وليس مبدأ ، المبدأ عنده هو المفاوضات ، ودائما الجانب الفلسطيني ما يضع شروط للمفاوضات ولا يلتزم بها ".
وعرج البروفسور قاسم، الى الشروط التي وضعها المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية لاستئناف المفاوضات ، بالقول" الرئيس محمود عباس يستخدم منظمة التحرير وهو يثق بها ولا يسمع لاحد، وينفذ ما برأسه ".
واكد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية ، ان أي استئناف للعملية السياسية (المفاوضات ) يتطلب اسس جديدة تقوم على التزام اسرائيل الواضح بقرارات الشرعية الدولية وحدود67 ، ووقف تام للاستيطان في سائر الاراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية
وفيما يتعلق بالمصالحة يؤكد قاسم " المصالحة يجب ان تكون وطنية غير مرتبطة بأحد ، ويجب التركيز على الوحدة الوطنية لأنها مصلحة عليا لشعب الفلسطيني ".
لكن قاسم اتهم حركتي (فتح وحماس) بالإساءة للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية ، محملا المسئولية الاولى عن هذه الاساءة للرئيس عباس، معتبرا بانه من السابق لأوانه الحكم بان الرئيس ابو مازن قد استطاع ان يطوع برنامج حركة حماس الى برنامج السياسي ، قائلا "علينا ان ننتظر ".
وكانت المفاوضات (الفلسطينية – الاسرائيلية ) انطلقت في شهر تموز 2013، برعاية أمريكية ، اجرى خلالها وزير الخارجية الامريكية جون كيري عشرات اللقاءات مع الرئيس الفلسطيني ابو مازن ، ورئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو ، كما وعقدت عشرات الجلسات التفاوضية بين الجانبين .
ودار حديث خلال مدة المفاوضات ان الادارة الامريكية ، تحاول الوصول الى اتفاق وسط بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي عرف باسم (اتفاق اطار) يتضمن افكار حول قضايا عدة منها (الحدود واللاجئين والامن والقدس)، وقد واجهت المفاوضات من قطاع واسع من سياسيين ودبلوماسيين فلسطينيين وعرب .
وتوقع الكثير من المحللين السياسيين والمراقبين في حينها ، احتمال توقيع السلطة الفلسطينية والإسرائيليين على اتفاق الاطار وهو ما لم يحدث .
وبعد 9 شهور من المفاوضات التي انتهت بفشل كبير وخطوات دراماتيكية ، تراجعت الحكومة الاسرائيلية عن الالتزام في اطلاق الدفعة الرابعة من الاسرى القدامى ، بينما اتجه الفلسطينيين الى الانضمام الـ 15 مؤسسة دولية ، والى تعزيز وحدتهم الداخلية عبر تنفيذ اتفاق المصالحة.
