رغم قسوة عقوبة الإعدام إلا أنها تشفي النفوس، وتداوي جروح المجتمع الفلسطيني الذي اهتز في الفترة الأخيرة من عدة جرائم بشعة، قتل فيها أبرياء في قطاع غزة بدم بارد، في ظروف تشابه فيها فعل المجرمون، وتشابهت نفسياتهم، وتشابهت جرائمهم، وفي الوقت نفسه تشابهت ردة فعل العائلات، التي أدركت أن الجريمة الأشد هي معاقبة البريء بجريرة المتهم.
هذا التطور الإيجابي في موقف العائلات الفلسطينية يعكس حالة من الوعي، ويحاكي نضوج المجتمع المدني الذي ارتقى عن الانتقام، ووثق بالقانون طريقاً للخلاص من المجرم والجريمة معاً، وقد تجلى ذلك بالسلوك الموزون والواثق الذي انتهجته عائلة الأسطل تجاه قاتل ابنهم، وهو السلوك نفسه الذي سبق وإن انتهجته عائلة أبو معمر تجاه قاتل ابنهم، وهو التصرف الوازن الذي انتهجته عائلة شراب نفسها تجاه قاتل ابنهم، ومن قبلهم سلوك وتصرف عائلة التلباني، وعائلة فروانة، حيث التقطت جميع هذه العائلات قطرات دم أبنائها، وتوجوا منها فكرة القصاص العادل، وليس الانتقام الأهوج، وفي هذا دليل ثقة بالنفس، ودليل اقتناع بالحكومة التي ستراعي حاجات المجتمع للسلم، وستستجيب لحكم القضاء العادل.
حتى اليوم، والمجتمع برمته ينتظر من الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة تنفيذ حكم الإعدام بحق المجرمين الذين استوفت محاكمتهم إجراءاتها القانونية، حتى اليوم والمجتمع ينتظر أن يمسح دمعته، ويطفئ ناره من خلال مشاهد الموت الذي يرسم معالم الحياة، فالمجتمع الفلسطيني لا يهتم كثيراً بالتبريرات التي تسوقها الحكومة، ولا يهمه الجهة السيادية التي ستوقع على قرار الإعدام، ولا يهتم كثيراً بما تقوله جمعيات حقوق الإنسان الممولة من الخارج، والتي رأت بأفكار جان بول سارتر نبراساً لتفكيرها بهذا الشان، المجتمع العربي الفلسطيني لا يحفظ عن ظهر قلب إلا قوله تعالى: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب.
إن تنفيذ حكم الإعدام بحق المجرمين لا يحصن الأجيال القادة من الجريمة، ولا يشكل رادعاً لمن تحدثه نفسه بالقتل والفوز، تنفيذ حكم الإعدام يعزز السلم بين الناس، فتنفيذ الحكم مطفئة الحقد لعائلة القتيل وموقدة الأمان لعائلة القاتل، وفي تنفيذ الإعدام تشجيعٌ لعقلاء العائلات كي يضبطوا مجانينها، بالتأكيد لهم أن القصاص العادل سيكون من خلال القضاء.
إن أي تأخير في تنفيذ أحكام الإعدام سيخلق حالة من عدم اليقين، وسيشجع على الانفلات، والاعتماد على النفس في تطبيق القانون، وهذا ما يجب أن تتنبه له الحكومة؛ التي يجب أن تترك من خلفها بصمة عدل يحفظها الناس، وتقتدي فيها الحكومات القادمة.