التحديات التي ستواجه حكومة التوافق التي ستشكل من المستقلين وألوان الطيف السياسي الفلسطيني بقيادة الرئيس أبو مازن، ستشكل أزمة كبيرة لا يمكن الاستهانة بها أو التقليل من شأنها وهي اكبر من قوة الحكومة بكل ما تملك من إمكانيات، ولا يمكن السيطرة على تلك التحديات ومواجهتها إلا بتعاون جميع الجماهير المخلصين المحبين لوطنهم وقضيتهم وترابهم المقدس، ولابد من القفز على ما تُسمى بالمواقف الثابتة لبعض الفصائل والأحزاب والقوى السياسية والوطنية والإسلامية، ومحاولة التعامل مع الأزمة الحالية، كما هي وليس كما نحلم أن تكون.
فلسطين الآن أمام مفترق طرق حقيقي، فإما الخروج بها وشعبها لمصافي الدول المتقدمة، وإما العودة للمربع الأول وعودة الأوضاع لما كانت عليها وبل للأسوأ، ولو حدثت لا قدّر الله فسوف تأكل هذه الأوضاع كل المواقف الثابتة والمُتحركة وتحصد أصحابها، وسوف لا يجد قادة الفصائل والأحزاب أعضاء يتحكمون بهم ولا يجد القادة جماهير يُسيرونها كما يشاءون، والإصرار على بعض المواقف المُتشنجة والتي ترفض كل شيء أثبتت عدم جدواها بل أثبتت سلبيتها على ارض الواقع وجرّى الوطن إلى شفى حُفرة لن ينجيكُم منها إلا الله.
من هذا الواقع يستشرف المتابع السياسي للحدث الفلسطيني سيناريوهات سياسية قد تطفو على الساحة لاحقاً وليس بالضرورة أن تنجح، ولكن بما إننا دخلنا في دائرة الدراما السياسية واحتمالاتها الممكنة فان أولئك المراقبين يرون بان فلسطين ممكن أن تشهد متغيرات في الوضع الراهن يطلق عليها بحكومة الوفاق الوطني بيد أن هنالك من يعتقد بإمكانية عودة الانقسام مره أخرى لذلك ليس أمام الحكومة الفلسطينية الجديدة إلا أن تنجح، وذلك لأربعة أسباب مهمة وهي:
أولا: فبعد مرور ثمان سنوات على الانقسام، سوف لن تجد الجماهير الفلسطينية ما يبررون به فشلها إذا فشلت او قصرت او أخفقت، فمن المفترض أن يكون الجميع قد تعلموا من التجربة وطوروا بها أفكارهم وعقلياتهم وأدواتهم، ما يساعدهم على تحقيق النجاح المرتقب.
ثانيا: إن كل من هو تحت قبة المجلس التشريعي الفلسطيني، من فصائل وكتل وأحزاب يشترك فيها، ولذلك فان فشلها يعني فشل كل هذه الفصائل والقوى والأحزاب والكتل، ما سيوجه إلى مصداقيتها ضربة في الصميم، بل والى كل العملية السياسية الفلسطينية، بمعنى آخر فان الحكومة الجديدة لا تقف بآرائها فقط وإنما تمثيل آراء من تمثلهم.
ثالثا: إنها تشكلت حسب المقاسات التي توافق عليها الجميع، بما فيهم رؤساء الفصائل والأحزاب والحركات الوطنية، ولذلك فليس فيهم من يمكنه أن يبرر الفشل إذا ما حصل.
رابعا: كما إن الظروف السياسية تطورت بشكل كبير جدا لصالح الجماهير الفلسطينية فلا انقسام موجود على الساحة واعتراف ومباركة عربية ودولية لإتمام ملف المصالحة، إضافة للاعتراف الدولي بدولة فلسطين، ما يساهم في تحسين الظروف السياسية بدرجة كبيرة، ينبغي توظيفها والاستفادة منها من اجل النجاح، هذا التطور الذي اسقط الكثير من الأعذار التي ظل بعض المسئولين يسوقونها كحجج كلما سئلوا عن أسباب الفشل والتلكؤ.
إن مصير العملية السياسية برمتها مرتبط بمصير هذه الحكومة، بل إن مصير التجربة الديمقراطية برمتها مرتبط، الى حد كبير بمصير هذه الحكومة، ولذلك فإنها لا تمتلك خيارا الا أن تنجح لتنجح معها العملية السياسية ولتنجح التجربة الديمقراطية ولتنجح فلسطين الجديدة، التي ستتحول بهذا النجاح إلى نموذج يحتذي، بعد أن راهن البعض على فشله خوفا من عدوى الديمقراطية.
إن المرحلة القادمة تحتاج الى تطور نوعي في سبيل إلغاء الاتجاهات السياسية العنصرية والتعصب الحزبي والفصائلي، ومحاولة تذويب تلك الاتجاهات على أن تصب في مصلحة فلسطين وشعبها وقضيتها، وتمنع الممارسات الإقصائية لأي طرف مع احترام الأطياف والعمل على غرس روح المحبة والتعاون وعدم التمييز، لذلك فإننا نحتاج الى وزارات تستطيع أن تدافع عن فلسطين وتحمي شعبها وتعزز مكانتها، ونريد أن نشهد أداء يستطيع أن يخنق الأزمات ويقضي عليها في مهدها ويرتقي الى عمل جاد ورصين ولن يكون ذلك إلاّ بالقضاء على الفساد بكل أنواعه.
لا نبالغ لو قلنا أن هذا الحكومة القادمة تحتاج إلى رجال دولة من طراز خاص يمتلكون الخبرة والعبقرية لإنقاذ فلسطين من وضعها المأساوي، ولكي تشهد المرحلة القادمة تعميقاً للممارسة الديمقراطية الفتية لاختيار الرئاسات الثلاث تقوم على مبدأ الكفاءة والإخلاص دون النظر الى أية اعتبارات أخرى لا تخدم الشعب ومستقبل العملية السياسية الفلسطينية، وفق الله جميع الرجال والوطنيين المخلصين.
الإعلامي والباحث السياسي