يثير طرح القضايا الاجتماعية، خاصة تلك المتعلقة بمساواة المرأة بالرجل، المواقف المتصلبة والمحافظة وأحيانا "المتخلفة" التي ترى في المرأة كائنا اقل شأنا واقل انسانية، في الوقت الذي حبانا الله نَفْسُ النَفَسِ والقيمة الانسانية ولم يفرق بين البشر على اساس النوع "الجنس" بل جعلهما مكملين لبعضهم بعضا؛ فإذا غاب أحدهما تعطل الاخر.
تفيد التكامليه، هذه، الشراكة في الحياة بما فيها من تكلفة وأعباء وسعادة وهناء، أي هما "الرجل والمرأة" شريكان بها، كما أن التحولات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع الفلسطيني فرضت أساليب حياة باتت بموجبها المرأة معيلة كالرجل في أُسرها هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية ما تقوم المرأة في البيت من عمل غير مدفوع الاجر؛ كتربية وتعليم الابناء وتحضير الطعام وتنظيف البيت والواجبات الزوجية التي توفر السكينة والسعادة والامان للزوج والابناء، تشكل في مجملها دفعات مالية غير ظاهرة يمكن حسابها في وفقا للاقتصاديات الحديثة، تزيد بكثير عما يتم تقديره من نفقة واجبة في قانون الاحوال الشخصية. ناهيك عن الكسب الفائت للمرأة لو استثمرت سنوات عمرها، التي قضتها في خدمة بيت الزوجية، في التعليم أو العمل وما قد تجنيه حينها من مال ومكانة علمية واجتماعية بالإضافة إلى النفوذ من ناحية ثالثة.
ومبدأ المناصفة في الثروة بعد الزواج ليس بدعة جديدة أو أمرا دخيلا على الثقافة العربية الاسلامية بل يندرج تحت باب الكد والسعاية المستمد من تراثنا الاسلامي الفقهي يترتب بموجبه للزوجة حقا في الاموال والممتلكات التي تحصلت لها ولزوجها بالنتيجة.
يستند مبدأ الكد والسعاية على الحكم الشرعي للأية 38 من صورة النجم لقوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}، فيما يفيد المعنى الحقوقي للكد والسعاية، وفقا لقرار محكمة بداية نابلس "حقوق رقم 382/2005" ، بحق المرأة في الثروة التي تنشئها وتكونها مع زوجها خلال فترة الحياة الزوجية، وهذا الحق يضمن للزوجة إذا انتهت العلاقة الزوجية بينها وبين زوجها إما بالطلاق أو الوفاة بان يتم تحديد وحساب مجموع الثروة التي تم تكوينها خلال فترة الحياة الزوجية فتحصل على جزء منها مقابل ما بذلته من مجهودات مادية ومعنوية إلى جانب زوجها.
ولم يَقْصِرُ الفقهاء هذا الحق على الزوجة المطلقة أو المتوفى عنها فقط بل أجازوها في حق كل فرد من أفراد العائلة إذ جعلوا ما ينتجه مال الزوج شياعا بين أفراد العائلة يقسم بينهم حسب كد كل واحد واجتهاده؛ مستندين في ذلك إلى قول الله تعالى في الآية 187 من صورة البقرة { ولا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتاكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون}.
وبالاعتماد على الأثر الوارد عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في قصته مع عامر ابن الحارث وزوجه حبيبة بنت رزق "فقد كان عامر قصارا وزوجته ترقم الأثواب حتى اكتسبا مالا كثيرا فمات عامر وترك الأموال فأخذ ورثته مفاتيح المخازن والأجنة واقتسموا المال، ثم قامت عليهم زوجته حبيبة وادعت عمل يدها وسعايتها فترافعت مع الورثة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب؛ فقضى بينهما بشركة المال نصفين فأخذت حبيبة النصف بالشركة، والربع من نصيب الزوج بالميراث لأنه لم يترك الأولاد وأخذ الورثة الباقي).
يعكس هذا الاجتهاد اعمالا للعقل وتفتحا ونضوجا يواجه التحالف الشيطاني الذي يريد احتلال العقل وإلغائه بغية حرمان نصف المجتمع من المساواة في مجالات عدة ليس اقلها الميراث. يمنحنا اعمال العقل وإعادة قراءة النص والأثر والفكر الاسلامي القدرة على مواجهة التخلف والتحالف الشيطاني لمقاومة التغيير والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق كبشر أو بمقتضى كرامتهم الانسانية. هذا التغيير يحتاج الى قيادة طليعية ونخبة سياسية واجتماعية تتحمل مسؤولية قيادة التغيير لإحداثه بإنضاج ثقافة منفحته، وتقود المجتمع بالسلوك والمنهج من خلال توفير قواعد قانونية واضحة مناصرة وممكنة للمرأة لنيل حقوقها.
تنويه: تم الاعتماد في هذا المقال، بشكل كبير، على حكم محكمة بداية نابلس المتعلق بالقضية "حقوق رقم 382/2005" والصادر بتاريخ 28/9/2009. كما تم تأييده بحكم محكمتي الاستئناف والنقض الفلسطينية.